كتاب تفسير العثيمين: الزمر

الوصول إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، والوصولُ إلى الله لا يكون إلا بعبادَتِه، فهم إذا عبدوهم جَعَلوهم هُمُ الغايَةَ، ولهذا سنُبيِّنُ إن شاء الله أنَّ هذا من سَفَهِهِم.
وقوله رَحِمَهُ اللهُ: [{إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} قُرْبَى، مَصْدَرٌ بمعنى تقريبًا] {زُلْفَى} يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: إنَّها [مصدر] لكنها مصدرٌ مَعْنَوِيٌّ لموافَقَتِه العامِلَ في المعنى دون اللَّفْظ، فالمصدَرُ قد يكون لفظيًّا وقد يكون معنويًّا؛ فإن وافق عامِلَه في اللَّفْظ فإنَّه لَفْظيٌّ؛ مثل: قمْتُ قيامًا، وإن خالفه في اللَّفْظِ دون المعنى صار معنويًّا؛ كقولك: قُمْتُ وقوفًا، وأمَّا قولُك: قَعَدْتُ قُعودًا؛ فلَفْظيٌّ، وقولك: (قعَدْتُ جُلوسًا) معنوي.
يقول: تقرَّبوا إلى الله زُلْفى، يقول: إنَّه بمعنى قُرْبى، وقُرْبَى أيضًا يراد بها التَّقْريب، وإنَّما قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: إنَّه يُرادُ بها التَّقْريبُ؛ من أجل أن يُطابِقَ الفِعْلَ، فالفعل (قَرَّبَ) مضارِعُه (يُقَرِّب) المصدر المطابِق: (تقريبًا) لا قُرْبًا، ولكن من المعلوم أنه قد يوافِقُ المصدَرُ عامِلَه في اللَّفْظ، ولكنه لا يطابقه في الحروف، ومثل هذا يُسَمَّى عندهم اسمَ مَصْدر؛ كقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح: ١٧]، فلو كان مصدرًا لقال: إنباتًا، فلما قال: {نَبَاتًا} ونَقَصَت حروفُه عن حروف فِعْلِه سُمِّيَ اسْمَ مَصْدَرٍ.
المُهِمُّ أنَّهم يقولون: نحن لا نعبد هذه الأصنام إلا من أجل أن تُقَرِّبَنا إلى الله تعالى قُرْبَى.
وحالُ بَعْضِ النَّاس عند القبور كحالِ هؤلاء؛ فهناك ناسٌ يطوفون بالقبور يَنْذِرون لها، يَسْجُدون لها، يقولون: هؤلاء أولياءُ يُقَرِّبوننا إلى الله! وهؤلاء الآن لهم وجود في العالَم الإسلامي.

الصفحة 31