قوله تعالى: {فَكَذَّبْتَ بِهَا} باعتِبار الأخبار، {وَاسْتَكْبَرْتَ} باعتِبار الأحكام الأوامِر والنَّواهِي، ففي جانب الخبَر مُكذِّب، وفي جانب الأمر والنَّهيِ مُستَكبِر.
ولهذا قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ} تَكبَّرت عن الإيمان بها] ولو قيل: عن العمَل بها؛ ليَكون التَّكذيب للأخبار، والاستِكبار عن الأَحْكام، ولكن ما ذكَرَه المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ لا بأسَ به عن الإيمان بها.
قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}: {وَكُنْتَ} أي: بسَبَب التَّكذيب والاستِكبار {مِنَ الْكَافِرِينَ} الذين يَستَحِقُّون دُخول النار؛ لقِيام الحُجَّة عليهم.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: تَكذيب هؤلاء الذين قالوا: {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} لقوله تعالى: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ}.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إبطال الاحتِجاج بالقدَر على معصية الله عَزَّ وَجَلَّ، ووجهُه: أن الله تعالى جعَل إرسال الرُّسُل حُجَّة، ولو كان القدَر حُجَّةً لصاحِبه لم يَبطُل بإرسال الرُّسُل.
وعلى هذا فنَقول: الاحتِجاج بالقدَر باطِلٌ من جهة الشَّرْع، ومن جهة النَّظَر؛ أي: من جِهة العَقْل.
أمَّا من جهة الشَّرْع فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَبطَله في عِدَّة آياتٍ منها هذه الآيةُ: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} لمَّا قالت: {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.
ومنها قوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ}، قال الله تعالى: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا}