كتاب تفسير العثيمين: الزمر
والقاعدة: أنَّ كلَّ مَن استثنى آياتٍ من سور مَكِّيَّة وقال: إنَّها مَدَنِيَّة فعليه الدَّليل، والعكس بالعكس، فمن استثنى آياتٍ من سورَةٍ مَدَنِيَّةٍ، وقال: إنَّها مَكِّيَّة فعليه الدَّليلُ؛ لأنَّ الأصلَ أنَّ السُّورةَ إذا كانت مَكِّيَّةً فهي مَكِّيَّة بجميع آياتِها، هذا هو الأصل حتى يقوم دليل على الاستثناء، ولا أعلم لهذا الاستثناء الذي ذكره المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ دليلًا.
بل إنَّ ظاهِرَه من حيث المعنى يقتضي أن يكون من المَكِّيَّات {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر: ٥٣]، إلخ؛ إذْ كُلُّه يتعلَّق بالتَّوْحيدِ والتَّوْبة.
وقوله رَحِمَهُ اللهُ: [وهي خمسٌ وسبعون آية] مُقسَّمة إلى هذا التَّقسيم تقسيمًا توقيفيًّا؛ يعني: أنَّ الذي يُحدِّد الآياتِ هو الرَّسولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلامُ، فهو يُحدِّد الآياتِ ويُحدِّد مكانَها وتَرْتيبها.
ولهذا نقول: إنَّ ترتيبَ الآيات توقيفِيٌّ، وترتيب السُّوَر؛ منه توقيفيٌّ، ومنه اجتهادِي من الصَّحابة - رضي الله عنهم -:
فمثلًا: (الجمُعة)، و (المنافقون)، ترتيبها توقيفيٌّ؛ لأنَّ الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الجُمُعة بالجُمُعَة والمنافقون (١). و (سبَّح)، و (الغاشية) كذلك، و (البقرة، وآل عمران) كذلك ترتيبها توقيفيٌّ.
ومنه شيءٌ اجتهاديٌّ ثبَت باجتهادِ الصَّحابة، قد تختلف فيه مصاحِفُ الصَّحابة؛ لأنَّه عن اجتهادٍ.
أمَّا ترتيب الآياتِ فحيث قلنا: إنَّه توقيفي لا يجوز الإخلالُ به، فلا يجوز أن تُقدِّم آيةً على آيةٍ في التِّلاوَة؛ لأنَّ الذي وضع الآيات في مكانِها هو الرَّسولُ - صلى الله عليه وسلم -.
---------------
(١) أخرجه مسلم: كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في صلاة الجمعة، رقم (٨٧٧)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
الصفحة 8
542