كتاب تفسير العثيمين: النور

الآية (١)

° قَال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور: ١] (¬١).
قيل: "سُمِّيَ الْقُرْآنُ لجماعَةِ السُّوَرِ وَسُمِّيَتِ السُّورَةُ لأَنَّهَا مَقْطُوعَةٌ مِنَ الأُخْرَى فَلَمَّا قُرِنَ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ سُمِيَ قُرْآنًا"؛ هذا المعْنَى عجِيبٌ للقُرْآن، كأنَّ هذا يقُولُ إنَّه مأْخُوذٌ مِنَ القَرْن، والسُّورة سُمِّيت سُورَةً مِن التَّسْويرِ؛ لأنَّها مُحاطَةٌ مِن أوَّلها إِلى آخِرِها، فكأنَّه علَيْها سُورٌ فَإِذا قُرِن بعْضُها إِلى بعْضٍ سُمِّيت قُرآنًا، كأنَّه أُخذ مِن القَرْن، وهذَا معْنًى لا تَكادُ تَجِدُه فِي أُصول التَّفْسير أكْثر مَا يقُولونَ: مِن الجَمْع لاجْتِماع كَلِماتِه بعضِها إِلى بعْضٍ، أَوْ مِن القِرَاءَةِ للتِّلاوَة، وهذَا عَلى كُلِّ حالٍ صحِيحٌ.
قال ابن عباس: " {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا} بيَّنَّاها" (¬٢)، هذا التَّفسير لا أعرف هل يصِحُّ عنِ ابْن عبَّاسٍ أوْ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ الإِنْزال غيرُ التَّبْيينِ، لكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لا شَكَّ أنَّه بيَّن القُرآنَ إلَّا أنَّ الإِنْزالَ غيْرُ التَّبْيينِ، بدَلِيل قولِه تَعالى: {وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [المجادلة: ٥]، فلَو كانَ الإِنْزالُ بمَعْنى التَّبْيينِ لكَان المعْنَى: "لقَدْ بيَّنَّا آياتٍ بيِّناتٍ"،
---------------
(¬١) لم يوجد تسجيل صوتي لتفسير هذه الآية، ولهذا نُقل تفسيرها من تسجيل صوتي لفضيلة الشيخ رحمه الله تعالى في تعليقه على صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى.
(¬٢) تفسير الطبري (١٩/ ٩٠)، صحيح البخاري (٦/ ١٢٤).

الصفحة 17