كتاب تفسير العثيمين: النور

الجواب: هَذَا يرجع إلى القواعد الشَّرْعِيَّة في ذَلِك، فقد يَكُون الْإِنْسَان مأمورًا بتقديم نفسه كما لو كَانَ عنْدَه طعام وعنده جياع وهو جائع فلا نقول: قَسِّم الطَّعام عليهم بل نقول: أبدأ بنفسك، والرَّسُول - عليه الصلاة والسلام - يَقُول: "ابْدَأْ بنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ" (¬١).
وأحيانًا يَجب على الْإِنْسَان أن يقدم المصْلَحة العامَّة على مصلَحَة نفسه كما في المبارزة، ومثل ما حصل للرَّجُلِ المُؤْمِن الَّذِي قَالَ للملك: "إِذَا كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَني فَخُذْ سَهمًا مِنْ كِنَانَتِي ثُمَّ ارْمِني بِهِ وَقُلْ: بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الغُلَامِ" (¬٢) فقتل نفسه لكن لمصلَحَة الدِّين.
الفَائِدة الرَّابِعَة: وصف الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أو ذكره يَنْبَغِي أن يذكر في كُلِّ محل بما يناسبه، فعنْدَما يَكُون الْأَمْر يقْتَضِي انتقاص الله -عَزَّ وَجَلَّ- نأتي بالتَّسبيح، وعنْدَما يَكُون الْأَمْر موجبًا لإظهار فضل الله ورحمته نأتي بالحمد وعنْدَما يشعر الْإِنْسَان في نفْسِه بعلو يأتي بالتكبير، ولهَذَا كَانَ الصَّحابَة - رضي الله عنهم - إِذَا علوا نَشزًا كبروا وإذا نزلوا واديًا سبحوا (¬٣)، فالْإِنْسَان عنْدَما يعلو يشعر في نفْسِه بالكبرياء فيكبر الله، وعنْدَما يهبط، فيقْتَضي أن يسبح الله لينزهه عن السُّفول.
---------------
(¬١) الحديث مركب من حديثين: فروى مسلم لفظ: "ابدأ بنفسك"، كتاب الزكاة، باب الابتداء في النفقة بالنفس ... ، حديث رقم (٩٩٧)، عن جابر بن عبد الله. أما لفظ: "ثم بمن تعول" فقد رويت بلفظ: "وابدأ بمن تعول" عند: البُخاريّ، كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلَّا عن ظهر غنى، حديث رقم (١٤٢٦)، ومسلم، كتاب النفقات، باب وجوب النفقة على الأهل والعيال، حديث رقم (٥٣٥٥)، عن أبي هريرة.
(¬٢) أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب قصَّة أصحاب الأخدود والساحر الراهب والغلام، حديث رقم (٣٠٠٥)، عن صهيب بن سنان الرومي.
(¬٣) أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب ما يقول الرجل إِذَا سافر، حديث رقم (٢٥٩٩)، عن ابن عمر.

الصفحة 90