كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: ليس في هَذَا دليلٌ على أنَّهُ كَلام اللَّه، لِأَنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}، والماء الَّذِي هو المطرُ ليس صفةً من صفات اللَّه، فلا يَلْزَمُ إذا قال اللَّه: إِنَّهُ نَزَّل القُرْآن أنْ يَكُونَ القُرْآن صفةً من صفاتِهِ، لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى يُضِيفُ التنزيلَ والإنزالَ إلى ما ليسَ من صِفَتِه؟
فالجواب عن ذلك أنْ يُقالَ: إذا أضاف اللَّه تَعَالَى إنزالَ شَيْءٍ إليه فإنْ كانَ هَذَا الشَيْءُ عَيْنًا قائمًا بذاته فليس من صفات اللَّه، أو كان صفةً في عينٍ قائمةٍ بذاتها فليس من صفات اللَّه، وإن كان صفةً لا يُمْكِنُ أن تقوم بعَينِها، يعني ليس عينًا قائمًا بذاتِه ولا صفةً في عين قائمةٍ بذاتها؛ لَزِمَ أنْ يَكُونَ صفةً من صفات اللَّه، فالقُرْآنُ كَلام هل يمكن أن يَكُون الكَلام عينًا قائمةً بذاتها؟ لا يُمكِنُ، وهنا لم يُضَفْ إلى أحدٍ من النَّاس حتى نقول: إِنَّهُ صِفَة في عينٍ قائمةٍ بذاتِها، فيَلْزَم أنْ يَكُونَ مخلوقًا كالعينِ القائمةِ به. وعلى هَذَا يَتَعَيَّن أنْ يَكُونَ كَلامًا للَّهِ وصفةً من صفاتِهِ.
وكذلك في قَوْلِهِ: {نَزَّلَ} دليلٌ على صفةِ العلوِّ للَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وقوله: {الْفُرْقَانَ} هو القُرْآنُ، وُصِفَ بذلك لِأَنَّهُ يُفَرِّقُ بين الخير والشرِّ، وبينَ الحقِّ والباطِلِ، وبينَ أهلِ الحقِّ وأهلِ الباطِلِ، وأهل الخير وأهل الشرِّ، فَهُوَ فُرقان في كل شَيْءٍ، وكما أَنَّهُ فُرقان بذاتِهِ يُفرِّق فإنَّ مَن كان من أهلِهِ ولَازَمَه وعَمِلَ به أُوتِيَ هَذِهِ الصِّفَةَ، وصار له تفريقٌ بين الحقِّ والباطل، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: ٢٩].
قوله: {نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} إذا كان القُرْآن فُرقانًا بين الحقِّ والباطلِ، وبين الخيرِ والشرِّ؛ لَزِمَ من ذلك أنْ يَكُون بَيِّنًا واضحًا، ليسَ فيه إجمالٌ وليس فيه إشكالٌ، كيف يَلْزَمُ ذلكَ؟ لِأَنَّهُ لو كان فيه إجمالٌ أو اشتباه لم يَكُنْ فُرقانًا؛ لِأَنَّ ما ليسَ بِمُشْتَبِهِ

الصفحة 12