كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

ثانيًا: مثال في الحُكْم:
قال النَّبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ" (¬١)، ودخل رجل يوم الجمعة وهو يخطب فجلس فقال: "أَصَلَّيْتَ؟ ". قَالَ: لَا. قَالَ: "قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ" (¬٢) هَذَا مُحْكمٌ واضِحٌ بَيِّن على طلب صلاة الركعتين لكل من دخلَ المسجدَ وألَّا يجلسَ حتى يصليَ ركعتينِ، وفيه حَديث الثَّلاثَةِ الَّذِينَ جَاؤُوا والرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في أصحابِهِ، فأَحَدُهم جلسَ وأحدُهم دخلَ الحَلْقَة، والثالث انصرفَ (¬٣)، وليس في الحديث ما يَدُلُّ على أنَّ أحدًا منهم صَلَّى ركعتينِ، فهذا مُشْتَبِهٌ؛ لِأَنَّهُ قد يَدُلُّ على أَنَّ تحيةَ المسجدِ ليستْ مطلوبةً، لَكِننا لا يمكن أنْ نَدَعَ الحديثَ المحكَمَ مِنْ أجْلِ هَذَا الاحْتِمَالِ، لاحْتِمَالِ أن هَؤُلَاءِ الرِّجالَ الثَّلاثَةَ صَلَّوْا والرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يَرَاهُم ولم يُنْكِرْ عليهم، ولاحْتِمَال أن يَكُونوا على غير وضوءٍ، ولاحْتِمَالاتٍ أُخرى، فلهذا لا نَدَعُ المحكَم مِنْ أجْل هَذَا المتشابِهِ، والأمثلةُ على هَذَا كثيرةٌ.
وقوله تَعَالَى: {عَلَى عَبْدِهِ} مُحَمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهَذِهِ العُبُودية أَخَصُّ العُبُودِيَّاتِ الَّتِي يُوصَف بها النَّاس، لِأَنَّ العبودية تَنقسِم إلى ثلاثةِ أقسامٍ: عامَّة، وخاصَّة، وأخص:
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب الصلاة، باب إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس، رقم (٤٤٤)، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحية المسجد، رقم (٧١٤).
(¬٢) أخرجه البخاري: كتاب الجمعة، باب من جاء والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين، رقم (٩٣١)، ومسلم: كتاب الجمعة، باب التحية والإمام يخطب، رقم (٨٧٥).
(¬٣) أخرجه البخاري: كتاب العلم، باب من قعد حيث ينتهي به المجلس، ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، رقم (٦٦)، ومسلم: كتاب السلام، باب من قعد حيث ينتهي به المجلس، ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، رقم (٢١٧٦).

الصفحة 14