كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

* العامَّة: هي الَّتِي تَشمَل جميع الخَلْق، مثل قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: ٩٣]، كل الخَلْق عِبَاد اللَّه، ومنها أيضًا قوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ} [الحجر: ٤٢]، استثنَى مَنِ اتَّبَعَه من عِبادِهِ.
* الخاصَّة: مثل قوله تَعَالَى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: ٦٣].
* الأخَصّ: وهي عُبُودِيَّة الرِّسَالة؛ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في نوح: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: ٣]، وقوله في مُحَمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم-: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: ١]، هَذِهِ أخص مِنَ الأُولى؛ لِأَنَّهَا عُبُودِيَّة خاصَّة بتكليفٍ خاصٍّ، وهو الرِّسَالة.
ووصفُ الإنْسَان بالعبوديَّةِ للَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وإضافتُه إلى اللَّهِ هل هَذَا تشريف أو إهانة؟
تشريف، ولا شك أنَّ له الفخرَ كلَّ الفخرِ بأنْ يَكُونَ عبدًا للَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. حتى إن الإنْسَان ليحب أن يُنْسَب إلى عبودية غيره من بني الإنْسَان إذا كان يُحِبُّه، وفي هَذَا يقول الشاعر في مَعْشُوقَتِه (¬١):
لَا تَدْعُني إِلَّا بِيَا عَبْدَهَا ... فَإِنَّهُ أَشْرَفُ أَسْمَائِي
يعني: لا تقول: يا مُحَمَّدُ، يا بكرُ، يا خالدُ، يا عليُّ، لا، هناك اسْم أشرف عنده وهو أن تقول: يا عبدَ فُلانةَ؛ لِأَنَّهُ يَفْخَرُ أن يَكُونَ عبدًا لها.
---------------
(¬١) البيت من السريع، وأورده صاحب لطائف الإشارات (١/ ٤٩).

الصفحة 15