كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

فالعُبُودية للَّه عَزَّ وَجَلَّ لا شكَّ أنها مَفْخَرَةٌ للعابدِ إذا أُضيفتْ إلى اللَّهِ.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{الْفُرْقَانَ} القُرْآن لِأَنَّهُ فَرَّق بينَ الحقِّ والباطلِ]، وكذلك بين الخيرِ والشرِّ، ثُمَّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{عَلَى عَبْدِهِ} مُحَمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم- {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ} أي الإنس والجِنّ دونَ المَلائِكةِ].
قوله: {لِيَكُونَ} الضمير يعود على مُحَمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- لقولِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ} [الأحزاب: ٤٦]، فالنَّذير مُحَمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم-.
ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ الضمير في قوله: {لِيَكُونَ} أي الفُرقان نذيرًا للعالمينَ؛ لِقَولِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأَنعام: ١٩]، فجعل الإنذارَ بالقُرْآنِ، ولَكِنْ هَذَا ليسَ براجِحٍ، بل الراجح الأوَّل.
أولًا: لِأَنَّ الضميرَ يعود إلى أقربِ مذكورٍ، وقوله عَزَّ وَجَلَّ: {لِيَكُونَ} الَّذِي قبلَه مباشرةً: {عَبْدِهِ}.
ثانيًا: أن اللَّه وَصَفَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك في قولِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: ٤٥].
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِلْعَالَمِينَ} العَالَم، يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [الإنس والجن دون الملائكة]، أَمَّا الإنسُ فظاهِرٌ، وَأَمَّا الجِنُّ فكذلك أيضًا دَلَّتِ النصوص عَلَى أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مُرْسَلٌ إليهم.
والدليل على هَذَا قوله تَعَالَى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [الأحقاف: ٢٩]، وقوله: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن: ١]. وكذلك النَّبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام قال لهم: "لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ

الصفحة 16