كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لحَمًا" (¬١)، فقَيَّدَهُمْ بأحكامِ الشَّريعة.
أما الملائكة فالدليل على أَنَّهُ ليسَ رسولًا إليهم قولُ اللَّه تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} [الإسراء: ٩٥]، فأفادتِ الآية أن الملائكةَ يُرْسَلُ إليهم ملائكة، والنَّبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ليس بِمَلَك، ويَقْتَضِي ذلك ألَّا يَكُون رسولًا إلى الملائكة، لكِن على الملائكة أن يُصَدِّقُوا به، وهم بلا شكٍّ مُصدِّقون بالرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ولَكِنَّه ليس مَبعوثًا إليهم، ولا مكلَّفًا بتبليغِهم، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
إذَنْ يَكُون قوله تَعَالَى: {لِلْعَالَمِينَ} من باب العامِّ الَّذِي أُريدَ به الخاص؛ لِأَنَّ الملائكةَ مِنَ العالمَين، كما في قولِهِ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ١]، فكلُّ مَن سِوَى اللَّه عَالَم.
وقولُه: {نَذِيرًا} النَّذير هو المُخْبِر بما يُخَوِّفُ، والبَشير المُخْبِرُ بما يَسُرُّ وعلى هَذَا يَكُون الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم- مُخْبِرًا بما يخوِّف، وهذا لا يُنافي أيضًا أن يَكُون بَشيرًا، وقد ذَكَرَ اللَّه الحالينِ في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (٢) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا} [الكهف: ١ - ٣]، فإذَنْ الِاقتصار على البِشارة أو الإنذار في مكانٍ لا يَقتضي نفيَ الثَّاني؛ لِأَنَّ الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم- موصوفٌ بهذا وهذا.
لكِن إذا وَرَدَتِ البِشارةُ مُقَيَّدةً بأمرٍ مَخُوفٍ مثل قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: ٢١]، فبعضهم يقول: إن هَذَا على سبيل التهكُّم بهم؛ لأَنَّهُمْ
---------------
(¬١) أخرجه مسلم: كتاب الصلاة، باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن، رقم (٤٥٠).

الصفحة 17