كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

فما هو الجوابُ عن هَذِهِ الشُّبْهَةِ؟
الجواب: أَنَّ قَوْلَهُ: {فِي الْأُمِّيِّينَ} لو كان المراد منه تخصيصهم لقالَ: هو الَّذِي بَعَثَ لِلْأُمّيِّين، كما في قوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} [النساء: ٧٩]، لَكِنْ قوله: {فِي الْأُمِّيِّينَ} معناه أن الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم- مبعوث فيهم، بُعث فيهم، لا لهم، بُعث فيهم لهم ولغيرهم، وعندما أقول مثلًا: بُعث فلان في هَذَا البلد، أو مثلًا: خَلَقَ اللَّه في هَذَا البلد رجلًا كريمًا أو رجلًا عالِمًا، أو ما أشبهَ ذلك، فإن هَذَا لا يعني أَنَّهُ لهَذِهِ البلد فقطْ، بل المراد: مكانه في البلد، لكِن ما يحصُل منه عامٌّ، فالتخصيص بالمكان أو التخصيص بالزمان لا يدل على تخصيص الدعوةِ.
الفائدتان السادسة والسابعة: فضل الرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حيث كُلِّفَ الرِّسَالة إلى جميع الخَلقِ، لِأَنَّ هَذَا دليل على فَضْلِهِ وأنه أهل لَهَذِهِ المهمَّة العظيمة، فلو أرسلتَ إنْسَانًا لِيُصْلِحَ بين شخصينِ فهذا دليل على فَضْلِه، لكِن لو أرسلتَ إنْسَانًا لِيُصْلِحَ بين طائفتينِ أو أُمَّتين فهَذِهِ زيادةُ فضلٍ، ولذلك لا يُرسَل لهَذِهِ المهمة الأخيرة إلا مَن هو جَديرٌ بها، فكون الرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُرسل لجميع الخَلْق دليل على فضله حيث حُمِّلَ الرِّسَالةَ إلى جميع الخَلق.
ثم إن فيه دليلًا على مِنَّة اللَّه عليه أيضًا؛ لِأَنَّ كلَّ مَنِ انتفع برسالته نالَه -أي النَّبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- من أَجْرِهِ: "مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ" (¬١) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ. ولهذا لو تُعَلِّم إنْسَانًا فيَعْمَل بعِلمه ويُعلِّم آخر ويعلم آخر ويعلم آخر فَإِنَّهُ يأتيك مِنَ الأجر والفضل بقَدْرِ مَنِ انتفعَ به.
---------------
(¬١) أخرجه مسلم: كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل اللَّه بمركوب وغيره، وخلافته في أهله بخير، رقم (١٨٩٣).

الصفحة 19