كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

التصرُّفَ في العين دون ذاتها، أو يملك عين الشَيْء دون التصرُّف فيه، فالمالك للشَيْء الَّذِي لم يَتَعَلَّقْ به حقُّ أحدٍ هَذَا مالِكٌ للعين والتصرف فيها، والموقوف عليه مالك للعين، لكِن لا يملك التصرف المطلَق فيها؛ لا يبيع ولا يَهَب ولا تورَث عنه، فالمستأجر مالك للمنفعة، أي التصرف في المنفعة فقط، دون العين، أَمَّا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فإن له ملك السَّموات والأرض أعيانهما والتصرف فيهما.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: لم يذكر ملك من فيهما؟
قُلْنَا: السَّموات والأرض يَدْخُلُ فيهما كلُّ من فيهما؛ لِأَنَّ مَنْ في السَّموات والأرض هم مِنَ السَّمواتِ والأرضِ، فأصلُهم مِنَ السَّموات والأرض، فالإنْسَان خُلِقَ من طين، والحيوانات الأخرى فيما يبدو -واللَّه أعلم- أنها خُلقت مِنَ الأرض، لَكِنَّنا لا نَعْلَم عنها شيئًا؛ لأنَّ المهمَّ أن نَعرِفَ أصلنا، أمَّا هَذِهِ فخَلَقَها اللَّه لنا، قال تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩].
قوله: {وَلَدًا} بمعنى: مَوْلُودًا، وقوله: {وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} أعمُّ من قوله: {لَمْ يَلِدْ}، لَكِنْ مع ذلك نفى اللَّه عن نفسه اتِّخاذ الولد والولادة، فَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ لم يَلِدْ ولم يَتَّخِذْ ولدًا من عباده، وفي هَذَا إبطال لقول النَّصارى الَّذِينَ قالوا: إنَّ المسيح ابنُ اللَّه، ولقول اليهودِ الَّذِينَ قالوا: عُزَيْرٌ ابنُ اللَّهِ، وللمشركين الَّذِينَ قالوا: الملائكة بنات اللَّه، فاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ما وَلَدَ شيئًا، ولم يَتَّخِذْ أحدًا من خلقه ولدًا.
وقد ذكرنا فيما سبق أن اللَّه تَعَالَى إذا نَفَى عن نفسِهِ صفة فليس المراد بذلك نفي الصِّفة فقط، بل نفي الصِّفة وإثبات كمال ضِدِّها، والضدُّ هنا كمال قُدْرَته وغِناه، وأنه غير محتاجٍ إلى الولدِ؛ لكمالِ غِنَاهُ عن غيرِهِ، فلا يحتاج للولد ولا اتِّخاذ الولد إلَّا مَن كان محتاجًا له، أَمَّا من كان غنيًّا عنه قادرًا على ما يريد فهذا لا يَتَّخِذُ ولدًا.

الصفحة 21