كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

نقول: الآيةُ الَّتِي ذَكَرْتَ فِي قولِه تَعَالَى: {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} هَذِهِ لغيرِ التائبينَ، وهَذِهِ الآيةُ معَ آياتِ التوبةِ لَيْسَ فِيهَا إشكالٌ.
فَلَوْ قِيلَ: كيف الجوابُ عن قوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: ٩٣]؟
نقول: هَذَا جزاؤه، وقد قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة: ٦]، ومعَ ذلكَ إذا أَسْلَمُوا وتابوا قُبِلَت تَوْبَتُهم، فنقول: حَتَّى الشرك وَرَدَ فِيهِ الخلودُ الأبديّ، ومعَ ذلكَ لو تابَ منه قُبِلَتْ توبتُه، هَذِهِ مثلها، لكِن الكَلام عَلَى أَنَّهُ إذا تابَ هل نقولُ: إن التوبةَ قُبلتْ مُطْلَقًا أو نقول كما قَالَ ابن القيِّم مثلما فَصَّلْنا: إن التوبةَ يَتَعَلَّقُ بِهَا ثلاثةُ أشياءَ ولابد من تَحْقِيقِها.
فَلَوْ قِيلَ: كيف الجواب عن قول ابنِ عبَّاس -رضي اللَّه عنهما- عمَّن سألَه: أَلِمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا من توبةٍ؟ قال: لا (¬١)؟
الجواب: هَذَا يُحْمَلُ مثلما قَالَ ابن القَيِّم (¬٢) عَلَى أَنَّهُ لا يَجِدُ له توبةً بالنسبةِ لحقِّ
المقتولِ؛ لِأَنَّ اللَّه يقول: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: ٥٣]، وحقيقةً فَإِنَّهُ بالنسبةِ للميِّت ففِي الغالبِ لا يُمْكِنُ الوصولُ إِلَى تحقيقِ التوبةِ، والسَبَب لِأَنَّهُ فاتَ، ولا يُمْكِن استحلالُه، كما تَقَدَّم، وَأَمَّا بالنسبةِ لحقِّ اللَّهِ فلَا شَكَّ فِيهِ أبدًا.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، رقم (٤٧٦٢)، ومسلم: كتاب الإيمان، رقم (٣٠٢٣).
(¬٢) انظر مدارج السالكين (١/ ٣٩٥ وما بعدها).

الصفحة 300