كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} أي القُرْآن] الصوابُ العُمُومُ؛ القُرْآنُ وغيرُ القُرْآنِ، وأنه أَيْضًا أعمُّ من جهةِ كونِ الآياتِ كونيَّة أو شرعيَّة، فنحن نقول: بالقُرْآنِ وغيره من الكتبِ السابقةِ، ونقول أَيْضًا: بالقُرْآن والكتب أو بالآيات الكونيَّة؛ فإن الآيات الكونية مُذَكِّرة؛ لِقَوْلِ النَّبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الكُسُوف: "يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ" (¬١)، فالآياتُ الكونيَّة مخوِّفة ومذكِّرة باللَّهِ عز وَجَلَّ؛ ولهذا دائمًا يَحُثُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النظَرِ فِي هَذِهِ الآياتِ الكونيَّة؛ لمِا فِيهَا مِنَ الدلالةِ عَلَى الخالقِ، وعلى ما تَشتمِل عليه من صفاتِه من الحِكْمَة والرَّحمةِ وغيرِ ذلك، فالآنَ عندنا عمومانِ فِي التذكيرِ بالآياتِ:
العمومُ الأوَّل: أنها تَشمَل الآياتِ الكونيَّة والشرعيَّة.
العموم الثَّاني: أنها تَشمَل القُرْآن وغير القُرْآن من الكتب السابقةِ؛ لأنَّ المرادَ بقولِه: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ} لَيْسَ خاصًّا بعبادِ الرَّحمنِ من هَذهِ الأمَّة، بل هو عامٌّ لكلِّ عبادِ الرَّحمنِ من كلِّ أُمَّة.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{لَمْ يَخِرُّوا} يَسْقُطوا {عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} بل خَرُّوا سامعينَ ناظرينَ مُنتفِعِينَ].
قوله: {صُمًّا} جمع أَصَمّ، وهو الَّذِي لم يَسْمَعْ، {وَعُمْيَانًا} جمع أَعْمَى، وهو الَّذِي لم يرَ، وإنما قَيَّده بهاتينِ الحاسَّتيْنِ لأنهما الوسيلة إِلَى وصولِ الشَيْءِ إِلَى القلبِ؛ إذ الأشياء إمَّا مرئيَّة فوسيلتها النظرُ، وإما مسموعة فوسيلتها السمعُ، فنفى أنْ يَكُونوا صُمًّا، ونفَى أن يَكُونوا عُميَانًا.
---------------
(¬١) أخرجه مسلم: كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف الصلاة جامعة، رقم (٩١١).

الصفحة 322