كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

المراد بالذرَّية الأولادُ؛ ذُكُورُهُم وإناثُهم، وأولاد الأبناءِ دونَ أولادِ البناتِ، فإن أولاد البناتِ لَيْسُوا من الذريةِ لُغةً ولا شرعًا عند كثيرٍ مِنَ الفقهاءِ، وقيل: بل أولادُ البناتِ من الذُّرِّيَّة؛ لأن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعاَلَى قَالَ فِي إِبْراهِيم: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ} [الأنعام: ٨٤ - ٨٥]، وعيسى ولد بنت وليس ولدَ ابنٍ، فجعله اللَّهُ مِن الذريةِ، فدلَّ هَذَا عَلَى أنَّ أولادَ البناتِ من الذريةِ، ولَكِنَّنا نقولُ: لَيْسَ فِي الآية دَلالةٌ؛ لأنَّ عيسى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُمُّهُ أبوه، يَعْنِي لَيْسَ له نَسَبٌ من قِبل الأبُوَّةِ، مُنْقَطِع؛ ولهذا المرأة المُلَاعِنة -أوِ المُلَاعَنة- إذا نفَى زوجُها ولدَها منه صارتْ هي أُمًّا أبًا، فالصوابُ أن الذرية لا يَدْخُلُ فِيهَا أولادُ البناتِ، هَذَا من حيثُ ناحية اللُّغَة والشَّرْع.
أما من حيثُ الوَقْفُ والهِبَةُ، وَمَا أَشْبَهَ ذلكَ مِمَّا يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْإِنْسَانُ بنفسِهِ، وله الحرِّيَّة فِيهِ، فهذا حَسَبَ ما ينصّ عليه، لو قَالَ مثلًا: هَذَا وَقْفٌ عَلَى ذُرِّيَّتِي الذكور والإناث، ومَن مات منهم عن ولدٍ فنصيبه لولدهِ، يَكُون هَذَا للجميعِ.
وكَذَلِك لو قَالَ: هَذَا وَقْفٌ عَلَى ذُرِّيتي ومَن تَفَرَّعَ منهم، وليس له إِلَّا بنات، فيدخل أولاد البناتِ بِلَا شَكٍّ، أو قَالَ مثلًا: عَلَى ذُرِّيَّتِي، وأولاد البنات يَنزِلون منزلة أُمَّهَاتهم، فكَذَلِك إذا نصَّ عَلَى الشَيْءِ أو دلَّت القرينةُ عليه دَخَلَ أولادُ البناتِ، لكِن هَذَا الدخول بِحَسَبِ ما تَقْتَضِيهِ الصِّيغة عُرْفًا أو نُطْقًا، لا بِحَسَب الشرعِ واللُّغة العربيَّة.
قوله: {قُرَّةَ أَعْيُنٍ} ما معنى قرَّة العَيْن، قرة العين هل معناها الاستقرارُ، يعني أنَّها مأخوذة من الاستقرارِ، أو مأخوذة من القُرّ، وهو البَرْد؛ لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إن دُمُوع العين الحزينة حارَّة، والعَيْنُ القَرِيرَة باردةٌ؟

الصفحة 326