كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

هَذَا هو الأقربُ، وليس منْ الاستقرار، وليس المعنى أنَّ الْإِنْسَانَ إذا فَرِحَ قَرَّت عينُه، وإذا حَزِنَ اضْطَرَبَتْ وتحركتْ، لَيْسَ الأمر كَذَلِك، لَكِنها من القُرّ الَّذِي هو البرودة؛ لأن الْإِنْسَان إذا حَزِنَ حَمِيَتْ عَيْنُه، ولهذا يقالُ: دموع الحزينِ حارَّة، فالمعنى السرور والاطمئنان، وَمَا أَشْبَهَ ذلك، وكُني بالعينِ لِأَنَّهَا تَتَأثَّر.
وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [بأنْ نرَاهُمْ مُطِيعِينَ لكَ] هَذَا فِي الحقيقةِ من جُملةِ ما تَقَرُّ بِهِ عينُ المؤمِن، أن يَرَى أزواجَهُ وذرِّيَّاتِهِ مُطِيعِينَ للَّه، والغريبُ أنَّ الْإِنْسَانَ المسلمَ إذا رأى أزواجَهُ وذرياتِه مطيعينَ للَّه تَقَرُّ عينُه وإنْ كَانَ هو فَاسِقًا، الغريب أن الوالدَ يَفْرَح أن وَلَدَهُ يصيرُ مُطيعًا للَّه مُجتَنِبًا للمعاصي، وهو فاسِقٌ، ويُحِبّ أنَّ وَلَدَهُ يصلي مع الجَماعَةِ، ولو كَانَ هو لا يصَلي، وكَذَلِك يحبُّ أنَّ وَلَدَهُ لا يشرب الدخَانَ، ولو كَانَ هو يشرب الدخانَ؛ لأن المسلمَ مَجبولٌ عَلَى مَحبَة طاعةِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ، فهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يقولون: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} يَعْنِي بأن نراهم مطيعينَ لكَ، هَذَا وَاحِد. والصواب أَيْضًا (ولنا)؛ لأن الْإِنْسَانَ أَيْضًا إذا كَانَ ولدُه وزوجتُه موافِقِينَ لطاعتِهِ تَقَرُّ عينُه، هَذَا إذا أُضيفت إِلَى طاعةِ اللَّهِ، لكِن إذا كانوا مطيعينَ للَّهِ وعاصِينَ له تَقَرُّ عينُه من وجهٍ، إذا ذَكَرَ طاعتهم للَّه وقيامَهم بطاعةِ اللَّهِ رَضِيَ وفَرِحَ، وإذا رآهُم عاصِينَ له فإن هذا يسوءه، كأنْ يقولَ للولدِ: اجْلِسْ فِي القهوةِ وانتظِرِ الرِّجالَ، ولَكِنَّه يخرج، ويقول للمرأةِ: أَصْلِحِي الطعامَ، ولَكِنَّها لا تُصْلِحُه، فلَا شَكَّ أن هَذَا الشَيْءَ يَسُوءُه، ولا تَقَرّ عَيْنُه بِهِ، معَ أن هَذَا الأمرَ معصيةٌ للَّهِ.
يَعْنِي لَوْ شِئْنَا لَقُلْنَا: إن قولَه رَحِمَهُ اللَّهُ: [بأنْ نَراهُمْ مُطِيعينَ لكَ] يَشْمَلُ حَتَّى طاعتهم لأبيهم وطاعة المرأة لِزَوْجِها، يَشمَل هَذَا وهذا، وكَذَلِك قيامُ الرجلِ بما يَجِب لزوجتِهِ يدخلُ فِي ذلكَ، فلو شِئنا أنْ نقولَ هَذَا لَقُلْنَاه، لَكِنَّه خِلافُ ظاهرِ الكَلامِ،

الصفحة 327