كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

فالصوابُ أن نراهم مُطيعينَ لكَ قائمينَ بما يَجِبُ عليهم لنا؛ لأنَّ بذلك يَتِمُّ قَرار العَيْن.
قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}: {إِمَامًا} يَعْنِي قُدْوَةً، والإمامُ هو القُدْوَةُ الُمَّتبَعُ.
وقوله: {لِلْمُتَّقِينَ} سَبَقَ الكَلامُ عَنِ التَّقوَى عِدَّةَ مَرَّاتٍ، وأن المرادَ بالتقوى اتِّخاذ وِقاية من عذابِ اللَّهِ، وذلكَ بِفِعْلِ الأوامرِ واجتنابِ النواهي، ومعنى كونه للمتَّقين إمامًا أي قُدوةً، لاتِّصافهم بالتقوَى، واتصافهم بالعلمِ؛ لِأَنَّهُ لا يُمْكِنُ أن يَكُونَ الْإِنْسَانُ قُدوةً إِلَّا إذا عُلِم فِيهِ العلمُ والتقوى، فإذا لم يكنْ عالمًا لم يَثقِ النَّاسُ بِهِ من حيثُ العلمُ، فالجاهلُ لا يَقْتَدُونَ بِهِ، وإذا كَانَ عالمًا لكِن عنده انحرافٌ قوليّ، أو عمليّ، أو اعتقاديّ، فَإِنَّهُ أَيْضًا لا يَكُون قدوةً للمتَّقين، لا لعدمِ عِلْمِه، ولكن لِعَدَمِ نُصْحِه.
فهذا الدعاء {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} يَتَضَمَّنُ ثلاثةَ أمورٍ: العلم والتقوى والتأثير؛ لأنَّ مَن لم يَكُنْ عَالمًا لم يَكُنْ قُدْوَةً، ومَن لم يكنْ مُتَّقِيًا لم يكنْ قُدوةً، ومَن لم يكنْ مُؤَثِّرًا لم يكن قدوةً أَيْضًا، والتأثير بالقَوْلِ والفعلِ له دورٌ كَبيرٌ، تَجِدُ مثلًا رجلينِ متقاربينِ فِي العلمِ لَكِنَّ أحدَهما يَصْرِفُ اللَّهُ القلوبَ إليه فيَتَّخِذُونَه قُدوةً، والآخر لا يحصُل له هَذَا الأمرُ، فلهذا نقولُ: نَزِيدُ عَلَى العلمِ والتقوَى التأثيرَ، والتأثيرُ كما هو معروفٌ يَكُونُ سَبَبه قوَّة البيانِ والفَصَاحَة، إذا كَانَ التأثير بالقَوْلِ، ويَكُون سَبَبه أَيْضًا الاستقامة وحُسْن السُّلُوك، إذا كَانَ تأثيرًا بالفعل. وعلى كلِّ حالٍ فلا تَتِمُّ الإمامةُ إِلَّا بهَذه الأمورِ الثَّلاثَةِ: العِلْم والتقوى والتأثير بِالْقَوْل أو بالفِعْلِ.
وفِي الآية إشكالٌ لفظيٌّ، وهو قوله: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} لأنَّ (اجعلنا)

الصفحة 328