كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

المهمُّ أنَّ إِمَامَةَ المساجِدِ يَنْفِرُ النَّاسُ مِنها معَ الأسفِ، الآنَ تَجِدُ حَتَّى بعض طَلَبَة العلمِ لا يُمْكِن أنْ يَتَوَلَّوْا إمامةَ مسجدٍ، حَتَّى معَ الضرورةِ إِلَى ذلكَ، وهذا يُتِيحُ الفُرصةَ لمِن هم دُونَهم فِي العلمِ والاستقامةِ وحُسْن التوجيهِ والإرشادِ والقُدوة أنْ يَتَوَلَّوْا إمامةَ المساجدِ، حتى إِنَّ منهم مَن يخرُج عَلَى ما اعتادَهُ أهلُ البلدِ، مثل أنْ يَجْهَرَ بِالْبَسْمَلَةِ ويَقْنُت فِي صلاةِ الفجرِ، وهذا وإنْ كَانَ جائزًا عندَ بعضِ أهلِ العلمِ أو مُسْتَحَبًّا، لَكِنِ السنَّة عَلَى خِلافه، والسنَّةُ أَوْلَى، لاسيَّما إذا كَانَ الْإِنْسَانُ فِي بَلَدٍ لا يَفْعَلُون هَذَا، لكِن أولئك يَرَوْنَ أنَّهم عَلَى حقٍّ، وأن الْإِنْسَانَ يَجِبُ أنْ يَتَمَسَّكَ بالحقِّ مَهْمَا كَانَ الأمرُ، وهم مَعْذُورون؛ لأَنَّهُمْ مُجْتَهِدون، ولَكِننا نَأسَفُ لطلبةِ العلمِ أنْ يُفْسِحُوا المجالَ لمثلِ هَؤُلَاءِ، فالمُسْتَحَبُّ المؤكَّد الَّذِي يَنبغي أنْ يَتَوَلَّوْا هم هَذهِ الإمامةَ؛ ليَنْتَفِعُوا ويَنْفَعُوا غيرَهم ويَسُدُّوا الفراغَ الَّذِي رُبَّما يَشْغَلُه مَن لا يُوثَقُ فِي دينِه وعملِه.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: لو أنَّ الأوقافَ تقومُ بحملةِ توعيةٍ وإرشادٍ للناسِ فِي فضلِ وأهميَّةِ الإمامةِ لِأَجْلِ ألَّا يَنْفِرَ طُلَّاب العلمِ مِنَ الإمامةِ؛ لأنَّ الأشخاصَ الَّذِينَ يَرْغَبُون فِي الإمامةِ يأتيهم مثلًا آباؤهم أو أقاربهم ويَقُولُونَ لهم: كيف تَتَحَمَّل الجَماعَةَ يومَ القيامةِ؟ !
نقول: صحيحٌ، بعض النَّاسِ يَظُنُّون أنَّ الإمامَ مسؤولٌ عن جماعتِهِ، ولَكِنه لَيْسَ مَسْؤُولًا أبدًا، هو مسؤولٌ عن صلاتِه، صحيح أن عليه مسؤولية من جهةِ إتمامِ الصلاةِ، يَعْنِي مثلًا إذا صليتُ وحدِي ممكِن أن أَقْتَصِر عَلَى الواجباتِ فقطْ، لكِن إذا كنت إمامًا لغيري لا يجوز أن أَقْتَصِرَ عَلَى الواجباتِ، يَجِبُ أنْ آتيَ بالصلاةِ كاملةً، وهَذِهِ مسألة أَيْضًا يَجِب أنْ يُلاحِظَها الأئمَّة؛ لأن بعضَ النَّاسِ يقولُ: ما دام

الصفحة 330