كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

أني إمامٌ أنا سآتي بأدنى الواجبِ، نقول: نعم، لو كنت تُصَلِّي وحدَكَ فلا حرجَ عليكَ أن تَقْتَصِرَ عَلَى أدنى الواجبِ، ولا حرجَ عليك أنْ تُطَوِّلَ ما شئتَ كما قَالَ الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬١) لَكِنْ إذا كنتَ إمامًا فأنتَ الآن فِي ولايةٍ، والوَلِيّ عَلَى الشَيْءِ يَجِبُ عليه أنْ يَفعَلَ ما هو أحسنُ، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعاَلَى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: ١٥٢].
فما دام أنك وَلِيّ يَجِب عليكَ أنْ تفعلَ فِي صلاتِكَ أكملَ ما يَكُونُ، فلا تَقْتَصِرْ عَلَى الواجِبِ. والفقهاءُ رَحِمَهُم اللَّهُ يَقُولُونَ: يُكْرَهُ سُرعةٌ تَمنَعُ المأمومَ فعلَ ما يُسَنّ، وتَحْرُم السرعةُ الَّتِي تَمْنَع المأمومَ فِعلَ ما يَجِبُ. هَذَا صحيحٌ، لكِن أنا عندي أن السرعةَ الَّتِي تمنعُ المأمومَ فعلَ ما يُسَنّ ليستْ مكروهةً فقطْ بل حرام؛ لأنك الآن وليّ، ويَجِب عَلَى الوليِّ أنْ يفعلَ ما هو الأَصْلحُ لمِن وُلِّيَ عليه، ولَا شَكَّ أن الأَصْلحَ هو اتِّبَاعُ السُّنَّةِ مثلما قُلْنَا فِي الأمورِ الَّتِي يُخَيَّر فِيهَا الْإنْسَان، فالأمورُ الَّتِي يخيَّر فِيهَا الْإِنْسَان إن كانتْ مِنْ أجْلِ ما يَتَعَلَّق بنفسِهِ فالتخييرُ الَّذِي يَشتهي يَفْعَله، كالتخييرِ فِي خِصال الكفَّارة مثلًا إطعام عَشَرة مساكين أو كِسْوَتهم أو تحرير رَقَبَة، وإذا كَانَ التخيير فيما يتعلق بمصلحةِ الغيرِ فالتخييرُ تخييرُ مصلحةٍ.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: هل عَلَى الإمامِ مسؤوليةٌ من جهةِ الذينَ لا يُصلُّون مع الجماعَةِ؟
الإمامُ لَيْسَ عليه مسؤولية فِي هَذَا إِلَّا مثل ما عَلَى غيرِه، كل إنْسَان رأى مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرهُ، ولا تزيد مسؤوليتُه أبدًا، فَهُوَ مثل غيرِه، لو كَانَ فِي المسجدِ إنْسَانٌ وَجِيهٌ كَلِمَته مسموعةٌ صارَ عليه من السلطةِ أكْثَر من الإمامِ، نحن نقول: هو مثل غيرِهِ بِحَسَبِ
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء، رقم (٧٠٣)، ومسلم: كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، رقم (٤٦٧).

الصفحة 331