كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

الحالِ، فالْإِنْسَانُ الَّذِي يَقْدِر أنْ يُغَيِّرَ بِيَده يُغَيِّر بيده، والَّذِي لا يَقْدِر يغيِّر بلسانِهِ، والَّذِي لا يقدِر يغيِّر بقلبِه.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: هل واجبٌ عَلَى الإمامِ قِيَامه بالعددِ؟
قُلْنَا: لا يَجِب عليه العددُ أبدًا.
وَلَوْ قِيلَ: هَذَا من التعاونِ.
نقول: كل النَّاسِ يريدون أنْ يَتَعَاوَنوا عَلَى هَذَا الأمرِ، حَتَّى لو فُرِضَ أن الرجلَ قَالَ: إن كنتُ إمامًا أَلْزَمْتُ نفسي بِهَذَا، فهل هَذَا من الخيرِ أو من الشرّ؟ الحمدُ للَّه إن كَانَ من الخيرِ فليكنْ مما يدعو إِلَى الإمامةِ ويُشَجِّع عَلَيْهَا، والحقيقة أن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ جعلَ للأشياءِ شُرُوطًا {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: ٦٩]، لا يُهدَى الْإِنْسَانُ سَبِيلَه إِلَّا بعدَ أنْ يُجاهِدَ فِيهِ، لكِن لا يُمْكِن أنْ تَصلَ إِلَى شيْءٍ بِهِ السرورُ والأُنْسُ والحُبُور عَلَى جَناحِ الرِّيح! فلا بد من شوكٍ ومن حَصًا ومن كلِّ شَيْء: "حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ" (¬١).
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: الآن توجد للإمامةِ مُرتَّبات وعدم قيامه بالعدد، فقطْ يَرْكَع الركعاتِ صار كأنه من الجَماعَةِ، فما دام ما شعّ النُّور وصارَ المسجدُ مدرسةً، فما فائدةُ الإمامِ؟
لَيْسَ بلازمٍ، لَكِنْ لا يوجدُ شكٌّ أنَّهُ مِنَ الكمالِ أنْ يَكُونَ الإمامُ عالِمًا أو طالِبَ علم يَستطيع أنْ يَتكلَّم، لَكِنْ إذا لم يكنْ.
أنا أقول: إِنَّهُ يَجِب أنْ نَسُدَّ الفَراغَ عن غَيْرِنا؛ لأَنَّهُمْ إذا كَثُر الأجانبُ عِندَنا
---------------
(¬١) أخرجه مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم (٢٨٢٢).

الصفحة 332