كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

لَكِنْ لَوْ قِيلَ: الَّذِي جَعَلَهُ مُنْضَبِطًا الإمامةُ فهل يَنْقُصُ أَجْرُه؟
لا ينقص أبدًا؛ لأن كونَ الْإِنْسَانِ يَصيرُ له مُشَجِّعَات عَلَى الخير لا يُبْطِل هَذَا أَجْرَه، ما جَعَلَ اللَّهُ المُرَغِّبات الَّتِي فِي الكِتَابِ والسنَّة عَلَى الخيرِ إِلَّا لأجلِ أنْ يُسْعَى له.
لَكِنْ لَوْ قِيلَ: بعض النَّاس يَأْتُون الصلاةَ مُبَكِّرين بدونِ إمامةٍ، لماذا لم تُبَكِّر إِلَّا لمَّا صِرْتَ إمامًا؟
المسألةُ ليستْ مسألةَ التبكيرِ، المسألة أنها تُعِينني لَيْسَ عَلَى التبكير فقطْ ولَكِن عَلَى إدراكِ الجَماعَةِ أَيْضًا إذا كنت لا أُبَكِّر، فهذا ممَّا يُعِينُ، أليس اللَّه جعلَ للناسِ من الغنيمةِ شيئًا، وأليس الأئمَّة والمؤذِّنون جعلَ لهم رصدًا من بيتِ المالِ، وأليس النَّبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُشَجِّع بإعطاءِ المؤلَّفة قلوبهم وغير ذلك؟
فكون الْإِنْسَان يَكُون له مُشَجِّعات عَلَى الخيرِ لا يُبْطِل أجرَه، فالأَصْل والكَلامُ عَلَى النِّيَّةَ، إذا كنتَ تَفْعَل هَذَا للدنيا فهَذَا صحيحٌ يؤثِّر فيك كثيرًا، أَمَّا إذا يَسَّرَ اللَّه لكَ من أسباب الطاعة ما يُعِينُكَ عَلَيْهَا؛ فهذا طَيِّبٌ، ولا يَنْقُصُ الأجرُ، بل إن الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يُشَجِّعُ عَلَى ما يُعِينُ: "تَسَحَّرُوا؛ فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً" (¬١) وكان يَصُبُّ عَلَى رأسِه الماءَ وهو صائمٌ مِنَ الحَرِّ (¬٢)، كل هَذَا يُعِينُه عَلَى الطاعةِ، فالمشَجِّعَاتُ عَلَى الخيرِ لا تَنْقُصُ الخيرَ، الكَلام عَلَى النيَّة فقطْ، إنْ فعلتَ هَذَا الشَيْءَ للدنيا فيَكُون صحيحًا وحَبِطَ عَمَلُكَ.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب الصوم، باب بركة السحور من غير إيجاب، رقم (١٩٢٣)، ومسلم: كتاب الصيام، باب فضل السحور وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر، رقم (١٠٩٥).
(¬٢) أخرجها أبو داود: كتاب الصوم، باب الصائم يصب عليه الماء من العطش ويبالغ في الاستنشاق، رقم (٢٣٦٥).

الصفحة 335