كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: ما حُكْمُ مَن يُبَكِّر ويُسْرِع لإدراكِ الجَمَاعَةِ خَجَلًا مِنَ النَّاسِ؟
إذا كَانَ يُرائِي النَّاسَ فهَذَا شَيْءٌ ثانٍ، حَتَّى الَّذِي لَيْسَ بإمامٍ قد يَرَى أَنَّهُ يُفقَد فِي الجمَاعَةِ ويحب ألا يُفْقَدَ، ولو لم يكن إمامًا، فالكَلام عَلَى النيَّة، إذا كَانَ يَخْجَل من النَّاس فهذا لَا شَكَّ أَنَّهُ يَنْقُص الأجرَ، لكِن إذا كَانَ يقولُ: أنا أُسْرِع لأقومَ بالواجبِ عليَّ ولا أُربك النَّاسَ، مرَّة أتقدَّم ومرة أتأخَّر، فهَذَا طيِّب، فهذا أسرع لإحسانِ عَمَلِهِ.
لَوْ قَالَ قَائِل: بعضُ الأئمَّة عوامُّ، ولا يَستطيعونَ أنْ يَتكَلَّمُوا، مع أنَّهُ يصلي خلفهم طلَّابُ عِلْمٍ، ولا يُمْكِن أنْ يتركوا الإمامةَ، فيوجد أربعة شباب من طلاب العلم يصلون خلفَ إمامٍ عاميٍّ؟
نقول: نحن نريد أن يأتوا هَؤُلَاءِ عندنا، وإنْ كَانَ تلاميذُنا هَذِهِ السنَةَ أَحْسَن ونَفَعَ بعضُهم فِي التراويحِ، وقاموا ببعضِ الواجب، لكِن نَحْتَاج المزيدَ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الأئمَّة مَنْ صَلَّى بهم إمام لا يُمْكِن أنْ نقولَ له: تَأَخَّر لأنَّ اختيارنا الأَوْلى عند ابتداءِ الإمامةِ، فإذا وُجد إمامٌ لا يمكن أنْ نَعْزِلَه إِلَّا بسَبَبٍ شرعيٍّ، ولنْ يَرْضَى، ولو كَانَ مُتَطَوِّعًا، لكِن يجوز عَزْلُه إذا رَضِيَ، فليس هناك مانعُ، لاسيما إذا كَانَ الَّذِي سَيَتَوَلَّى الإمامةَ خيرًا منه، فإذا كَانَ الَّذِي سَيَتَوَلَّى خيرًا منه فهذا طيِّبٌ، لكِن الإمام الأول هل يجوز أن يأخذَ المرتَّب؟ نعم؛ لأن هَذَا تنازَلَ له؛ لأن المرتبَ للثاني، والثَّاني تنازلَ عنه، وهَذِهِ وَقَعَتْ حسبَ ما سَمِعْتُ، مؤذِّن الجامع الكبيرِ فِي الرياضِ ابن ماجد كَانَ يؤذِّن فِي مسجدٍ فِي أحد الجِهات، ولمَّا عُمِر هَذَا المسجد الجديد الكبير طَلَبُوا منه أن يَكُونَ هو المؤذِّنَ، لكِن إمامه الأول لم يكن راضيًا بذلكَ، فجعلوا له المرتَّب والوظائف الَّتِي للمسجدِ وهذا جعلوا له مُرَتَّبًا جديدًا.

الصفحة 336