كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

فلو صلَّى وَاحِدٌ مُحْدِثًا فالإمامُ لَيْسَ عليه شَيْءٌ.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: هلِ الأحسنُ أخذُ المُرَتَّب أم عدم أَخْذِه، خاصَّةً أنَّ الإمامَ غيرُ محتاجٍ، لكِن جَماعَة المَسْجِد قالوا: لا بدَّ أن تأخُذَه حَتَّى لا يَنْقَطِعَ عنِ المسجِدِ؟
نرى أنَّ الأحسنَ أن يأخذَ المرتَّب، وكذلك الوظائف الَّتِي عَلَى المسجدِ، فَهُوَ عَلَى خيرٍ، يَأْخُذه ما دامتْ نِيَّته أصلًا أنَّهُ ما جاءَ إِلَّا للَّه، أليسَ الرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وأصحابه يَأْخُذُون مِنَ الغنائمِ، وهل يوجدُ أحدٌ أخلَص منهم؟ ! لا، لم يَقُولوا: نحن لن نأخذَ من الغنائمِ، هَذَا شَيْءٌ جاءَ مِن بيتِ المالِ "إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا المَالِ شَيْءٌ وَأنتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ، فَخُذْهُ" (¬١).
وإذا شِئْتَ فَخُذْهُ واصْرِفْهُ فِي شَيْءٍ نافعٍ لَكَ، يَعْنِي حقيقة الأمر مثلما قالوا: إنَّك لو لم تَأْخُذْ أنتَ يَتَعَطَّل المَسْجِد، وإذا جاء إمامٌ جديدٌ بعدَكَ يَحتاج إِلَى معاملةٍ جديدةٍ، وكَذَلِك أَيْضًا الوظائف، بعضُ النَّاسِ يقولُ: واللَّه أنا لن أُطَالِبَ النَّاسَ، أقول: أَعْطُوني حقِّي، مثل بَعْض الصُّبَر الَّتِي تكون للإمامِ أو المؤذِّن، نقول: هَذَا باختيارِكَ، يَعْنِي كونك تأخذ أو لا تأخذ هَذَا شَيْءٌ ثانٍ، لكِن نظرًا لأنك إذا تركتَه وتناساهُ هَؤُلَاءِ ذهب لَيْسَ عليك فقط؛ لأنك أنتَ تقول: لا أُريده، بل يذهب عَلَى غيرِك أَيْضًا؛ لأنَّ الإمامَ فِي الحقيقةِ وأيضًا المؤذن كلاهما لَيْسَ مُسْتقِلًّا بما يُعْطَى من كلِّ وجهٍ.
* * *
---------------
(¬١) أخرجه البخاري: كتاب الزكاة، باب من أعطاه اللَّه شيئا من غير مسألة ولا إشراف نفس، رقم (١٤٧٣)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب إباحة الأخذ لمن أعطي من غير مسألة ولا إشراف، رقم (١٠٤٥).

الصفحة 338