كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

المُقام بالنسبةِ للزمنِ، يَعْنِي أنَّ اللَّهَ أَثْنَى عَلَيْهَا مكانًا وزمنًا، وكوننا نُحاوِل أنْ يَكُونَ بَيْنَ اللفظينِ تغايُر أَوْلى من الترادُف؛ لأننا إذا قُلْنَا بالترادُفِ فِي هَذَا وغيرِه صارَ فِي المسألةِ تكرارٌ، والأَصْلُ عَدَمُ التكرارِ، فحاوِلْ ما استطعتَ أنْ تَجْعَلَ اللفظينِ متغايريْنِ إذا أمكنَ فِي كلِّ آية، فِي آياتِ القُرْآنِ وغيرِ القُرْآنِ، فحاوِلْ فِي كلِّ كَلامٍ فصيحٍ أنْ تكونَ الألفاظُ مُتَمَيِّزًا بعضُها عن بعضٍ فِي المعنى؛ لأن الترادفَ لا يُصارُ إليه إِلَّا عندَ الضروةِ؛ لِأنَّهُ مجرَّد تكرارٍ.
قوله: {حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [وأُولَئِكَ وما بعدَه خبرُ عِبَادِ الرَّحمنِ المُبْتَدَأ]، وعِبَاد الرَّحمنِ أولئك يُجْزَوْنَ الغرفةَ هَذَا بعيدٌ جِدًّا أنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَذْكُرُهم لِيُبَيِّن جَزَاءَهم، وإنما يَذْكُرُهم لِيُبَيِّنَ صِفَاتِهِم أولًا، ثم يأتي بالجزاءِ كالخاتمةِ، فالصوابُ، بل المتعيّن، أن تكونَ {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} مبتدأ، وخبره {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ} وما عُطِفَ عليه، وتكون جملة: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ} استئنافيةً لِبَيَانِ جزائهم عَلَى هَذِهِ الأعمالِ.
بعدَ أنِ انتهتْ هَذِهِ الصِّفاتُ الجليلةُ لم نَأْخُذْ فوائدَها، وعَمْدًا فَعَلْنَا ذلكَ؛ لأجلِ أنْ نَسْتَنْبِطَ الفوائدَ بعدَ استكمالِ الصِّفاتِ؛ لأنَّ الكَلامَ مُتَّصِلٌ بعضُه ببعضٍ، ولَكِن إذا رأَى الطالبُ أنْ يَمْتَحِنَ عَضَلاتِه العقليَّة والفكريَّة بأنْ يَسْتَنْبِطَ ما يُستفادُ مِنَ الآياتِ، ومنَ الأحكامِ العمليَّة والعِلمية والسلوكيَّة، وصفات اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وغير ذلك، ويُعِدّ الطالب عِدَّة ورقاتٍ: ورقة لمِا فِي الآياتِ من صفاتِ اللَّهِ مثلًا، وورقة لمِا فِيهَا مِنَ الأخلاقِ، ووَرَقَة لمَا فِيهَا مِنَ العملِ؛ لأن الآياتِ فِيهَا عمل وفيها أخلاق، وإذا شاء أنْ يسيرَ عَلَى ترتيبِ الآياتِ فلا بأسَ، لكِن ربما تَخْتَلِفُ أفهامُ النَّاسِ فيَظُنّ هَذَا من بابِ السلوكِ، وذاك يقولُ: من باب العملياتِ، إذَن نسير

الصفحة 342