كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

الآية (٧٧)
* * *

* قالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان: ٧٧].
* * *

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{قُلْ} يا مُحَمَّدُ لأهلِ مكَّةَ، {مَا} نافِيَةٌ {يَعْبَأُ} يَكْتَرِث {بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} إيَّاه فِي الشدائدِ فيَكْشِفها، {فَقَدْ} أي فكيف يَعْبَأ بكم وقد {كَذَّبْتُمْ} الرَّسولَ والقُرْآنَ {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا}].
قوله: {قُلْ} يا مُحَمَّدُ {مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} يَعْنِي ما يَكْتَرِث بكم، أي بإهلاكِكُم والقضاءِ عليكم، لَيْسَ ذلك مِمَّا يَثْقُل عليه، ولا مما يَعْجِز عنه، بل هو قادرٌ عليه، ولَكِن الَّذِي يَمْنَعُ هو الدعاءُ {لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} يَعْنِي ودعاؤكم هَذَا يَمْنَع من أَخْذِكُم، ولَكِنَّه إِلَى أجلٍ، {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} وحيئذٍ يَحُلُّ بكم العقابُ، فقد كذَّبتم النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وما جاء بِهِ، وهذا التكذيبُ موجِبٌ للعقابِ، ولهذا قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَسَوْفَ يَكُونُ} العِقَاب لكم {لِزَامًا} مُلازِمًا لكمْ فِي الآخرةِ بعدَما يحل بكم فِي الدُّنْيا]، معنى الآية الكريمة أن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لو شاءَ لَأَهْلَكَكُمْ، ولم يَعْبَأْ بكم؛ لأنكم لا تُعْجِزُونَ اللَّهَ، ولَكِن المانع دعاؤكم فِي الشدائدِ؛ لأَنَّهُمْ إذا أُصِيبُوا بشِدَّة دَعَوُا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أنْ يَكْشِفَها عنهم {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت: ٦٥]، هَذَا الدعاءُ مانع معَ كُفْرِهِم، فعلى هَذَا يَكُونُ الخِطاب للكفارِ،

الصفحة 344