كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ} هنا صرَّح بالاسْم الظاهر، قَالَ أوَّلًا: {وَاتَّخَذُوا} لِيَعُمَّ جميع المشركينَ مِنَ العرب وغيرهم، وهنا قال: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني منَ العربِ الذينَ رَدُّوا رسالةَ النَّبيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِنْ هَذَا} أيْ: ما القُرآن]، المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ دَقيقٌ في التفسيرِ، فسَّر لنا {إِنْ} وفسَّر لنا اسْمَ الإشارةِ. {إِنْ} بمعنى (ما) فهي نافيةٌ، (هذا) يقولُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [القُرْآن]، فالمشارُ إليه إذَنِ القُرْآنُ. فقوله: {إِنْ هَذَا} أي: ما هَذَا القُرْآن {إِلَّا إِفْكٌ} انْظُر -والعياذُ باللَّهِ- أَتَوْا بالحصرِ، يعني لا يمكن أن يَكُونَ إلَّا إِفْكًا، لا يمكِن أنْ يَكُونَ فيه صِدْقٌ، فأَتَوْا بالحَصْرِ عن طَريقِ النفي والإثباتِ {إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ}، ولا يُمْكِن أنْ يَكُونَ صِدْقًا.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِلَّا إِفْكٌ} كَذِبٌ]. {افْتَرَاهُ} يعني اخْتَلَقَه، أي النَّبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، {وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} يقول رَحِمَهُ اللَّهُ: [مِن أهلِ الكِتَابِ]، ومنه أيضًا الرجلُ الَّذِي قالوا: إِنَّهُ يُعَلِّمُه: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل: ١٠٣]، يقولون: إن هَذَا ليسَ مِنَ اللَّهِ، بل هو من مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ افتراهُ معَ مُساعدةِ غَيْرِه، يقول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُبْطِلًا لِكَلامِهِم: {فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا} قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [كُفْرًا وكَذِبًا]، المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ فَسَّرَ الظُّلْمَ بالكفرِ؛ لأنَّ الكفرَ ظُلْمٌ {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣]، ثُمَّ هو ظُلْمٌ بالنسبةِ للرسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَنَّهُ اعتداءٌ عليه، ووَصْفٌ له بالكَذِبِ، ولو أنَّ إنْسَانًا وصفَ أحدًا مِنَ النَّاسِ بالكَذِبِ لَقُلْنَا: إنَّه ظالمٌ له ومُعْتَدٍ عليه.
قوله: {وَزُورًا} الزُّور في الأَصْل كل ما انحرفَ عن الصراط المستقيم، كل انحراف فَهُوَ زُور {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ} [الكهف: ١١٧]، تميل،

الصفحة 35