كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

دعوى وهم يعتقدون أنها وحي وصدق فهَذِهِ دعوى باطلة مثل غيرها مِنَ الدعاوى، وإن كان هَذَا ما يعتقدونه، وهو ما ظهر لهم مِنَ القُرْآن، فليس بغريبٍ أيضًا؛ لِأَنَّ الإنْسَان -والعياذ باللَّه- إذا حُجِبَ قلبُه رأَى الحقَّ باطلًا، والباطل حقًّا، فيمكن أن هَؤُلَاءِ لِظُلْمِهِم وكفرهم وعُدوانهم لم يَتَبَيَّنْ لهم حقيقة القُرْآن، وظنُّوها أساطير، وهذا الأخير في الحقيقة معنًى جيِّدٌ، أَنَّهُمْ يقولونه لا مجرد دعوى لتكذيب الرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ولَكِن بحسَب الواقع فيما يعتقدون؛ وذلك لأنَّهم ليس عندهم اتجاه سليم صحيح لقول الحقِّ، فأُروا الحقَّ باطلًا، فالآن لو قرأنا القُرْآن على إنْسَانٍ مُعْرِضٍ هل يتذوق حلاوتَه، وهل يُحِسُّ بأنه كَلام اللَّه، هل يحس بأنه أصدق الأخبار وأنه أعدل الأحكام؟ لا، أبدًا، تجده مُعْرِضًا عنه، وليس بشَيْءٍ عنده حقيقةً باعتبار الواقع؛ لِأَنَّهُ -والعياذ باللَّه- كما قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: ١١٠]، فقولهم: أساطير الأولين قد يَكُون ذلك عن عقيدةٍ، وأن هَذَا بحسب الواقع؛ لِأَنَّ حالهم تَقْتَضي ذلك، وكُلَّمَا أعرضَ الإنْسَان عن القُرْآن يَكُون أشدَّ خفاءً عليه وأبعد عن معرفته، وكُلَّمَا أقبلَ عليه ازداد به يقينًا ومعرفةً.
ولهذا أنا أدعوكم ونفسي إلى أن يتأمَّل الإنْسَان دائمًا في القُرْآن ويتدبَّر؛ لئلَّا يَكُونَ أُمِّيًّا، فاللَّه عَزَّ وَجَلَّ سمَّى الَّذِي لا يَعرِف المعنى، وإن كان يعرف اللفظ، سمَّاه اللَّه أميًّا؛ كما قَالَ اللَّه: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة: ٧٨]، فمعنى (أماني) قراءة، فسمى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لا يعلمون الكِتَاب إلا قراءةً سماهم أُمِّيِّينَ؛ لِأَنَّ مَن يقرأ ولا يَفهم فَهُوَ كمَن لا يقرأ، لا فرقَ بينَهما، إلَّا أن هَذَا عنده فَهمٌ للفظ، وذاك ليس عنده فهم، وماذا يستفيد المرء مِنَ اللفظ وهو لا يعرف معناه؟ !

الصفحة 38