كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

فاللَّفْظُ بمنزِلة الثوبِ للجِسْمِ، فإذا كان عند الإنْسَان ثِيَابٌ فهي ليستْ رِجالًا، فلو أنَّ وَاحِدًا عنده عشرونَ ثوبًا وقال: واللَّهِ أنا سأغزو هَؤُلَاءِ الجَماعَة وأريد أن أشُنَّ الحرب عليهم، فقيل: ماذا عندَكَ؟ قال: عندي عشرونَ ثوبًا. فهل تَنْفَعُه هَذِهِ الثياب؟
فالجواب: عشرون ثوبًا لا تكون عشرين رجلًا، فالمهمُّ أَنَّنا نقولُ: إنَّ الواقعَ أن الرجلَ إذا لم يُقْبِل على القُرْآنِ وهو يتأمَّلُهُ ويحرِصُ على معرفةِ معناه فَإِنَّهُ لا يَستفيد منَ القُرْآنِ شيئًا، وكما هو معروفٌ مِن حالِ الصَّحَابَةِ -رضي اللَّه عنهم- لا يتجاوزون عشْر آياتٍ حتى يَتَعَلَّمُوها وما فيها منَ العِلمِ والعملِ، فتعلَّمُوا القُرْآنَ والعلمَ والعملَ جميعًا (¬١).
والَّذِي يَضُرُّنا نحن أننا نحرِص على تلاوة القُرْآن لفظًا، وهذا طيِّب، لكِن لا بدَّ أن نَعمَل أيضًا، ومنَ الممكِن أن يقرأ الإنْسَان ما تيسَّرَ لفظًا، ثُمَّ إذا كان قد مَنَّ اللَّه عليه بحفظِه يتأمَّله، فيتأمله وهو يمشي، وهو على فراشِه، وبتأمُّل القُرْآن يَفْتَح اللَّه على الإنْسَان معانيَ ما كان يَعرِفها ولا تَخطُر له على البالِ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: ١٧]، وجَرِّبْ تَجِدْ؛ لِأَنَّ القُرْآن تِبيانٌ لكل شَيْءٍ، وهذا كَلام اللَّه عنه. والَّذِي يَحُول بيننا وبينَ هَذَا التِّبيانِ لكلِّ شَيْءٍ هو عدمُ إقبالنا على هَذَا القُرْآنِ، والتأمُّل فيه، والتفكُّر فيه، وإلَّا لو أنَّنا تأمَّلناه لَوَجَدْنَاهُ تِبْيَانًا لكلِّ شَيْءٍ.
قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا} يعني استنسخها من غيرِه، وأيضًا الرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هم يعرِفون أَنَّهُ كانَ أُمِّيًّا، لا يقرأ ولا يكتب،
---------------
(¬١) أخر جه أحمد (٥/ ٤١٠).

الصفحة 39