كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

لَكِنَّه أَمَرَ غيرَه أن يكتبَها له، ولهذا المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ يقول: [انْتَسَخَهَا مِن ذلك القوم بغيرِه]، انتسخها بغيره لأَنَّهُمْ ما قالوا: كتبها، قالوا: اكتتبها، يعني أمرَ غيرَه أن يكتبها له؛ لأَنَّهُمْ يعرِفون الرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أنَّهُ كان أُمِّيًّا، لا يَقرأُ ولا يكتُبُ، ولا شكَّ أنَّ كُبَراءَهُم يعرِفون الحقَّ، لَكِنَّ عوامَّهم قد لا يعرِفون، قد يَخْفَى عليهم هَذَا الأمر ويقولون: أساطير الأوَّلين.
قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} تُمْلَى عليه يعني تُقْرَأ عليه، ليس تملى عليه لِيَكْتُبَهَا؛ لِأَنَّهُ لا يكتب ولَكِن تُقرَأُ عليه {بُكْرَةً} في أول النهار {وَأَصِيلًا} في آخِر النهارِ، ثُمَّ يأتي بها للناس ويقول: هَذَا كَلام اللَّه، وهذا وحيٌ يُوحَى إليَّ، وهو في ذلك على زَعْمِهِم ليسَ بصادِقٍ.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: قوله: {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} هل يُؤْخَذ منه أن لهذينِ الوقتينِ ميزةً في حفظ القُرْآن وغيره؟
الجواب: يؤخَذ من هَذَا العموم: عموم كل وقتٍ، دائمًا إذا أُريد العموم يُذْكَرُ البُكرة والعَشِيّ؛ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: ٦٢]، معَ أنَّ رِزْقَهم لا يَنقطِع في الجنَّة {لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: ٣٣]، لكِن يُذكَر هذانِ الوقتانِ للدوام، أَمَّا بالنسبة للواقع والتجرِبة فإننا جرَّبنا أن الحفظ في أول النهار أسرع، والحفظ في آخِر النهار -حسَب ما جَرَّبْتُ أنا- ليس بسريعٍ، لَكِنك إذا قمتَ مِنَ النومِ وجدتَ أنك حافِظُه، فكل وَاحِدٍ منهما له مَزِيَّة بالنسبة للحِفظ.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: هل يجوز أن يكتب القُرْآن الكريم حسَب القواعد الإملائية الَّتِي في عصرنا؟
القول الأول: يقولون: لا يجوز مخالَفة الرسم العُثمانيّ، ويَجِب على الإنْسَان

الصفحة 40