كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

إذا كتب القُرْآن لنفسِه أو لغيره تعليمًا أو تلاوةً أو أيَّ حال مِنَ الأحوال؛ يَجِب أن يَكُون على الرسم العثمانيّ؛ بناءً عَلَى أَنَّ هَذَا من باب التوقيف، فكما أنَّنا لا نغيِّر اللفظ فكذلك لا نُغَيِّر الكِتابة.
القول الثَّاني: يجوز أن يُكتَبَ القُرْآنُ بحسَبِ القواعدِ الَّتِي يُكتَب بها في أيِّ عصرٍ كان، ولا يَجِب التقيُّد بالرسْم العُثمانيّ. قالوا: لِأَنَّ الكِتَابة لها قواعد تَختلِفُ باختلاف العصورِ والأُمم، والقُرْآن لم يَنْزِلْ مكتوبًا، وإنَّما نزل مَقروءًا باللفظ، لا بالكِتَابة، فالكِتَابةُ ليستْ تَوْقِيفِيَّة، ولأنه لو كانت قواعد الرَّسْم حينَ نُزُولِ القُرْآنِ على غير هَذَا الوجهِ لَكُتب بها، يعني لو فُرض أنَّ الرسمَ حينَ نُزولِ القُرْآنِ أو حينَ جَمْعه في عصرِ عُثمان -رضي اللَّه عنه- على غير هَذِهِ القواعد لكُتِبَ بها، ولم يُكْتَبْ بشَيْءٍ آخَرَ، فدَلَّ ذلك عَلَى أَنَّ الكِتَابةَ تابعةٌ للعصر الَّذِي تُكتَب فيه.
القول الثالث: التفصيل؛ إن كُتِبَ لعالم فبالرسم العثمانيّ، وإن كتب لجاهلٍ فبالرسم العَصري الَّذِي هو فيه. قالوا: لِأَنَّهُ إذا كانَ جاهِلًا ثُمَّ كُتب له على الرَّسم العُثمانيّ أخطأَ في اللفظِ، مثلًا الصلاة إذا أردنا أن نَكْتبهَا على الرسمِ العثمانيّ ففيها واو، فيقرؤها الجاهل: الصلوات مثلًا أو الصلوة، وكذلك الزكاة، وكذلك الرِّبا وما أشبهها، فهَؤُلَاءِ يُفَصِّلون بين أن يكتب لعالم وأن يُكتب لجاهل.
والصحيحُ القولُ الثَّاني؛ أَنَّهُ يجوز أن يُكتَب القُرْآن بحسَب القواعد العصرية الَّتِي كُتب بها؛ لِأَنَّ كتابته ليس بتوقيفيَّة؛ لِأَنَّهُ لم ينزِلْ مكتوبًا فنقولَ: يَجِب التوقُّف على ما نزل عليه، وإنما هو كُتب في عصرٍ كانت قواعد الرسم على هَذَا الوجه، فبقِيَ على هَذَا الوجه.
فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: هَذَا قد يؤدي إلى التحريف؟

الصفحة 41