كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ} أي الكافرون للمؤمنين {إِنْ} ما {تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} مخدوعًا مغلوبًا على عقله].
قوله: {وَقَالَ الظَّالِمُونَ} أولًا في هَذَا إظهار في مَقام الإضمارِ؛ لأنه قَالَ قبلُ: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ}، وهنا {وَقَالَ الظَّالِمُونَ} والإظهارُ في مَقامِ الإضمارِ له فوائدُ:
الْفَائِدَة الأُولى: أَنَّهُ يُسجِّل على هَؤُلَاءِ وصفهم بهذا الظاهر، إن كان كفرًا فَهُوَ كفر، أو كان ظلمًا فَهُوَ ظلم، أو فسقًا فَهُوَ فِسق، أو إيمانًا فَهُوَ إيمان، إلى آخرِه.
الْفَائِدَة الثَّانية: أن هَذَا الحكم أو هَذَا القول أو هَذَا الفعل ظلمٌ من أيِّ إنْسَانٍ وقع؛ لِأَنَّهُ للتعليل، فهذا القول يُعتبر مِنَ الظلم، فيَكُون الأمر شاملًا، يعني أن كلَّ مَن قالَ فَهُوَ ظالِمٌ.
الْفَائِدَة الثالثةُ: التنبيه: تنبيه المخاطَب، لِأَنَّ اختلاف الكَلام أو اختلاف النسق في الكَلام يُوجِب الانتباه، فالكَلام إذا كان على نَسَق وَاحِدٍ فإن الإنْسَان يَنسجم، وربما يسرح، فإذا جاءه شَيْءٌ على خلافِ النمطِ الأولِ حَصَلَ بذلك الانتباه، وهَذِهِ الْفَائِدَة لفظيَّة، والفائدتانِ الأُوليانِ معنويَّتان.
قوله: {إِنْ تَتَّبِعُونَ} يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِن} ما]، (ما) هَذِهِ تفسير لـ {إِن}، يعني أن {إِن} نافية، وإذا كانت نافيةً فالمسألة فيها حَصرٌ، يعني ما تتبعون إلا رجلًا، وهذا أبلغُ من قولهم: إنكم تتبعون رجلًا مسحورًا، يعني كأَنَّهُمْ قالوا: إن الرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ليس له حال مِنَ الأحوال إلا أَنَّهُ مسحورٌ، أي: مخدوع مغلوب على عقله ومختل العقل بالسحر. ومنَ العجائب أَنَّهُمْ أحيانًا يقولون: إِنَّهُ ساحرٌ، وأحيانًا يقولون: إِنَّهُ مسحورٌ، وبينهما فرقٌ، لكِن مع هَذَا المبطِلُ كلُّ ما يمكِنه

الصفحة 50