كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

مِنَ الدعاوي الباطلة يأتي بها، ولو تناقضتْ.
فننظر الآنَ إلى هَذِهِ الأشياءِ الستِّ الَّتِي قَدَحُوا في النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بها:
أوَّلًا: قولهم: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ} نجيبهم بأنه بشر، فَهُوَ محتاج إلى الطعام، وهذا ليسَ بقادحٍ ما دامت القرائنُ أو البيِّنات شهِدتْ بصدقِه، فإن كونه يأكل الطعام لا يَمنعُ من صدقِه؛ لِأَنَّهُ بَشَرٌ.
ثانيًا: قولهم: {وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} نَرُدّ عليهم بأن هَذَا مما يؤيِّد كونَه رسولًا، لا مما يناقِض كونه رسولًا؛ لِأَنَّ هَذَا يَدُلُّ على تواضُعِهِ وعلى محَبَّتِه لأنْ يَكُونَ بين أُمَّته يفيدهم ويَسْتَفِيدون منه، إذَن فهَذِهِ كونها دليلًا على الرِّسَالةِ أوضحُ من كَوْنِهَا مانعًا منَ الرِّسَالةِ.
ثالثًا: قولهم: {لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ} كأنَّهم يقولون: ولماذا لم يُنْزَلْ عليه مَلَكٌ؟ فيُقال: أولًا: إِنَّهُ أُنِزْلَ إليه مَلَك لَكِنَّه ليس كما طَلَبُوا يَمْشِي معَه ويُنذِر، فإنَّ جِبريلَ قد أُنزل إلى النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعه الوحيُ، وهذا هو ما يقوله النَّبيّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وأمَّا كونه معه مصاحِبًا له فهذا لا يَقدَح في الرِّسَالةِ إذا لم يَكُنْ مصاحبًا؛ لِأَنَّهُ لو كانَ مصاحِبًا وجاء على غير صفةِ الملائكةِ عاد الأمرُ كما كان، وصارت الحُجَّة الَّتِي يَحتجُّون بها أو الشُّبهة الَّتِي يَحتجون بها موجودةً، ولو جُعِلَ في صورة الملَك لكان يُقضَى عليهم إذا لم يُؤمِنوا؛ لِأَنَّ الآياتِ المعيَّنة إذا طُلِبَت ولم يُؤمِن مَن طَلَبها فَإِنَّهُ يُهْلَكُ، وأمَّا آية انشقاق القمرِ فليستْ معيَّنة، ولهذا قيَّدناها بالآياتِ المعيَّنة إذا طُلِبَتْ، أمَّا إذا قالوا: أَرِنا آيةً ولم يُعَيِّنونها فهذا قد لا يَهْلِكون به.
رابعًا: قولهم: {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ} يقولون: لماذا لم يكنْ هَذَا غنيًّا، فكونه قليلَ ذاتِ اليدِ يدُلُّ على أَنَّهُ غير رسولٍ، يقولون: أنت رسول فلماذا لم يَنزِلْ عليك

الصفحة 51