كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: ١١٠]، فالإنْسَان يَجِب عليه أن يَكُون قابلًا للحقِّ متشوِّفًا له، ولا يُورِدُ على نفسِه شُبُهاتٍ؛ لِأَنَّ الشبهات ما لَها حدٌّ، والشيطان يحبُّ من ابن آدم أن يَرِدَ على قلبه هَذِهِ الشبهات لِيَضِلَّ.
قول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [بالمسحور والمحتاج إلى ما ينفقه]، المسحور واضح، وقوله: {يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ}، {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ} كلها مندرِجة في قوله: [والمحتاج إلى ما ينفقه وإلى مَلَكٍ يقوم معه].
الخلاصة: أن هَؤُلَاءِ الكفار جعلوا مع اللَّه آلهةً، وهذا قَدْحٌ في التَّوحِيدِ، ثُمَّ زَعَمُوا أنَّ القُرْآنَ أساطيرُ الأوَّلينَ، وهذا قَدْحٌ في القُرْآنِ مباشرةً، ويَتَضَمَّن القَدْحَ في اللَّه أيضًا، والقدح في الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثُمَّ بعد ذلك ذكر اللَّه قَدْحَهم في الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ القدح المباشر بهَذِهِ الأوجه الستةِ، وتَبَيَّنَ -وللَّه الحمد- أن هَذِهِ الأوجه الَّتِي أوردوها قدحًا في النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كلها ليستْ بقدحٍ، بل منها ما يؤيِّد أنَّهُ رسولٌ.
وقدِ استدلَّ بعضُ العلماءِ بهَذِهِ الآية عَلَى أَنَّ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُسْحَرْ، وكذَّبوا بذلك الأحاديثَ المشهورةَ -بل المتواترة- أن النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سُحر، وأن اللَّه أنزل عليه المعوِّذتينِ لنقضِ هَذَا السحرِ، وهذا أمر لا شكَّ فيه؛ لِأَنَّ الأحاديث في ذلك متواترة، لكِن هم يقولون: هَذِهِ الأحاديث كلها كذِب ليستْ صحيحةً؛ لِأَنَّ القول بأنه مسحور هو قول الكفَّار، فهل لاستدلالهم بهَذِهِ الآية وجهٌ أو لا؟
الردُّ عليهم بأنْ نقولَ: إنَّ هَؤُلَاءِ الظالمينَ الَّذِينَ قالوا: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} أرادوا بذلك أن السحرَ وَصْفٌ لازِمٌ له، وأن كل هَذَا الكَلام الَّذِي يقوله كَلامٌ مسحور مخبول، أَمَّا السحر الَّذِي طرأ على النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَهُوَ سحر طارئٌ، ثُمَّ مع ذلك ما أثَّر في الرِّسَالة أبدًا، عائشة -رضي اللَّه عنها- تقول: الَّذِي حصل أَنَّهُ كان يخيَّل إليه

الصفحة 55