كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

قوله: {تَبَارَكَ الَّذِي} والمراد به اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ} قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [الَّذِي قالوه من الكَنز والبُستان]، ما هو الخير؟ أبدل منه قوله: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [أي في الدُّنْيا؛ لأنَّهُ شاءَ أن يُعْطِيَهُ إيَّاها في الآخرة {وَيَجْعَلْ} بالجزم {لَكَ قُصُورًا} أيضًا، وفي قراءة بالرفع استئنافًا (¬١)].
قول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [أي في الدُّنْيا؛ لِأنَّهُ شاء أن يعطيَه إياها في الآخِرة]، ليس له داعٍ؛ لِأَنَّ السياق يُغني عن هَذَا القيد؛ إذ إن هَؤُلَاءِ يَقترِحون أنْ تكونَ هَذِهِ الأمور السابقة لهم في الدُّنْيا، فيقول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا}، فالقيد الَّذِي ذكره المُفَسِّر كأنه يقول جوابًا عن الإيراد الَّذِي يرِد علينا؛ وهو أن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد شاء أن يعطيَ رسوله جنة الآخرة، فقيَّد الآية بالدُّنْيا.
نقول: لا حاجة لهذا القيد؛ لأَنَّهُمْ هم لا يريدون أن اللَّه يجعل له كنزًا وجنةً في الآخرة، يريدون أن تكون له في الدُّنْيا، فيقول اللَّه: لو شاء أن يجعل لك ذلك لجعل لك خيرًا منه، وهي هَذِهِ البساتين، وهم يقولون: {أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} والَّتِي يجعل اللَّه بدلًا عنها لو شاء جناتٍ ليست جنَّةً وَاحِدةً.
قوله: {يَأْكُلُ مِنْهَا} الجَنَّة ربما يُؤكَل منها، وهي ليس فيها أنهارٌ، يعني يمكن أن يشربَ النخيلُ والأشجار بعروقِه، لكِن قوله: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} أبلغ وأتَمُّ؛ لأنَّ لجِريانِ الماءِ في أنهارِهِ شَهوة بَصَرِيَّة يَتَلَذَّذُ بها الإنْسَان عند رؤيته إيَّاها زيادةً على كثرة الماء على البُستان الَّذِي يَكُون سَبَبًا لكثرة نَمائِهِ وقوَّتِه.
وقوله: {وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} فيها قراءتان (يَجْعَلْ) بالسكون و"يجعلُ" بالرفع،
---------------
(¬١) الحجة في القراءات السبع (ص: ٢٦٤).

الصفحة 58