كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

صدرُه غَضَبًا فإنك تَسمَع له صوتًا من الغَضَبِ، وهذا دليل على شِدَّة حَنَقها -والعِيَاذُ باللَّه- على أهلها، وأنها كما قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ في سورة تبارك: {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (٧) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك: ٧ - ٨]، فما ظنُّك بشَيْءٍ يُلقَى الإنْسَانُ في جوفِه وهو ممتلِئٌ عليه غيظًا وحَنَقًا، ماذا يَصنع به؟ هَذَا دليل على شِدَّة عَذابها والعياذُ باللَّهِ، وأنها لا تَرْحَمُهم ولا تألو فيهم أيّ شَيْء إلَّا ولا ذِمَّةً.
قوله: {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا} [غَلَيانًا كالغضبان إذا غلَى صدره غليانًا من الغضبِ]، {وَزَفِيرًا}، وهو من مكان بعيدٍ، مِمَّا يدلُّ على أنَّ هَذَا التغيُّظ والزفير شديد، ما دام يُسمَع من مَحَلٍّ بعيدٍ فَإِنَّهُ شديد.
المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ يقول: [أو سماع التغيُّظ: رُؤْيَتُه وعِلْمُه]، هَذَا ليس بصحيحٍ، وإن كانَ محتمَلًا، لكِن المعنى الأوَّل أن تُحمَل الرؤية على الحقيقةِ، هَذَا هو الواجب، وقد مرَّ من قواعد التفسير، بل من قواعد كل كَلام، أَنَّهُ يَجِب أن يُحمَل على ظاهِرِهِ وعلى حقيقتِه ما لم يوجدْ دليل يَصرِف عن الحقيقةِ أو الظاهرِ، وليس أَيَّ دليلٍ، بل لا بدَّ أنْ يوجدَ دليلٌ صحيحٌ، وَأَمَّا ما يظنُّه الإنْسَان دليلًا وليس بدليل فهذا غير مقبول.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: بعضهم يقول إن المراد بقوله: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} أي: إذا رآهم زَبَانِيَتُها؟
هذا من التحريفِ في الواقعِ؛ لأنَّنا قُلْنا: جائِزٌ أنَّ اللَّه تَعَالَى يخلُق فيها حاسَّة الرؤية.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وردت أحاديثُ ضعيفةٌ في أن النار لها عينانِ، وهَذِهِ الأحاديث تؤيدنا؟

الصفحة 63