كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

شيئًا لا يَحتمِل وهو التصريح بالتأبيدِ، وكما هو معروف أن هَذَا خبرٌ، والخبرُ لا يَدْخُلُه النَّسْخُ ولا التعيينُ.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: العربُ تَتَمَدَّحُ بإخلافِ الوعيدِ دونَ إخلافِ الوعدِ؟
الجواب: اللَّه جَلَّ وَعَلَا يُتَمَدَّح بأنه لا يُخلِف، وأن خبره صِدْق، والوعيد الَّذِي يتمدح اللَّه به هو ما يدخل تحت المشيئةِ، ما سوى الشرك، مثلًا يوجد وَعيد على المعاصي الَّتِي دون الشرك، فإذا عفَا اللَّه عنها فهذا طيِّب ويُمدَح عليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: ما تقولون في قول عمرَ -رضي اللَّه عنه-: "لو لَبثَ أهلُ النارِ كقَدْرِ رَمْلِ عَالِجٍ لكانَ لهم على ذلك يومَ يخرجون فيه" (¬١)؟
الجواب: لكِن عمر -رضي اللَّه عنه- وغير عمر، يخاطَب بقولِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}.
لَوْ قِيلَ: كَلام عمر -رضي اللَّه عنه- ليس صريحًا.
نقول: حتى لو كانَ كَلامه صريحًا وقال: سيخرجون، نقول: لا يخرجونَ، ما دام توجد آياتٌ صريحةٌ، وأيضًا قوله تَعَالَى: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (٢٣) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا} [النبأ: ٢٣]، هَذِهِ لا تدل على التقييد؛ لِأَنَّ أحقابًا يعني طويلة لا مُنْتَهى لها، هَذَا هو المعنى، والإنْسَان إذا تَصَوَّرَ أَنَّهُ يَبْقَى في النار ليس أحقابًا بل ثانية من الزمن، وهو عاقلٌ، فسوف يَتَجَنَّبُ عَمَلَ أهل النارِ، فكيف بمن يَلْبَثُون فيها أحقابًا؟ ! فهي لا تدل على التَّقييد، ومَن زَعَمَ أنها تدُلّ على التقييدِ وقال: إن الأحقابَ هَذِهِ مقيَّدة بما بعدَها، يعني أحقابًا لا يذوقون فيها بردًا ولا شرابًا وأحقابًا أخرى يذوقون،
---------------
(¬١) الدر المنثور (٤/ ٤٧٨) وعزاه لابن المنذر.

الصفحة 72