كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

فهذا ليس بصحيحٍ، بل إن المعنى المبالَغة في ذلك، وأَنَّهُمْ لَابِثون فيها دُهُورًا عظيمةً طويلةً لا مُنْتَهى لها.
قوله: [{جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ} ها {الْمُتَّقُونَ}]، أتى المُفَسِّر بـ (ها) وهي مفعولٍ ثانٍ لـ {وُعِدَ} لأن (وَعَدَ) مما ينصب مفعولينِ ليسَ أصلهما المبتدَأ والخبر، فالمفعولُ الأوَّلُ محذوفٌ، والمفعولُ الثَّاني نائبُ الفاعل {الْمُتَّقُونَ}، وقد سَبَقَ كثيرًا أن المتَّقِيَ هو مَنِ اتَّخذَ وِقايةً من عذابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بفعلِ أوامرِهِ واجتنابِ نواهِيهِ، وأن هَذَا أجمع ما قيل في التقوَى وأنسَب ما يَكُون لِلَفْظِها؛ لِأَنَّهَا من (اتقى) من الوقاية.
وقوله: {وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} الَّذِي وَعَدَهُمُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وحذف الفاعل هنا للعلمِ به؛ كقولِه تَعَالَى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: ٢٨]، والخالِق هو اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
وقوله رَحِمَهُ اللَّه: [{كَانَتْ لَهُمْ} في عِلمه]، تقييدُ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ الكَينونة في عِلمه لِأَنَّ (كان) فعلٌ ماضٍ، والجنة ستكون مصيرًا، فلهذا قيَّد الكَينونةَ الَّتِي عُبِّر عنها بالفعلِ الماضي، قيَّدها في علمِ اللَّهِ، يعني لا بِحَسَبِ الواقعِ؛ لِأَنَّ الواقعَ لم تَكُنْ، وإنَّما سَتَكُون، ولكن هَذَا بناءً عَلَى أَنَّ (كان) يُراد بها الزمنُ، مع أنَّ (كان) إذا تأمَّل الإنْسَان مَوَاضِعَها في القُرْآنِ وفي السنَّة وَجَدَها أنها أحيانًا تَدُلُّ على مجرَّدِ الحَدَثِ، لا على الزمنِ؛ لِأَنَّ الفعلَ كما هو معروفٌ يَدُلّ على زمنٍ ومعنًى، فـ (كان) دائمًا تأتي للدَّلالة على مجرَّد المعنى فقط، يعني الَّتِي وُعد المتقون وهي لهم جزاء ومصيرٌ، وعلى هَذَا فلا حاجةَ إلى التقديرِ الَّذِي ذَكَرَهُ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّه، وهذا هو الأوضحُ، ولا حاجةَ إلى أن نقدِّر أنها كانت في عِلم اللَّهِ، بل هي كانت، أي: هي جزاء، فنُجَرِّد (كان) من الدَّلالةِ على الزمنِ، وإذا جَرَّدناها كما تَرِد كثيرًا في اللغةِ العربيَّة سلِمنا من هَذَا التقديرِ

الصفحة 73