كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

الَّذِي جاء به المُفَسِّر. ومثلها قوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: ٢٣]، مجردة عن الزمنِ؛ لِأَنَّ اللَّه ما زالَ ولا يزال غفورًا رحيمًا، عندما نأتي بـ (كان) ونقول: المراد بها الزمَنُ والحدَث تكون معفرة اللَّه ورحمته فيما سبق، أمَّا الآنَ فليسَ غفورًا رَحيمًا! لكِن هَذِهِ يُرادُ بها مجرَّدُ الحَدَثِ، يعني أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بالمَغْفِرَةِ والرَّحمةِ، ومثلها هَذِهِ الآية. و (كان) دائمًا تَدُلُّ على مجرَّد الحَدَث، لا على الزَّمَن.
لَوْ قَالَ قَائِل: إنَّ قولَه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} يؤتَى بها لكي تتناسب مع رُؤوس الآيِ؟
فالجواب: ليس بلازمٍ، أحيانًا تأتي متناسبةً وأحيانًا تأتي غيرَ متناسبةٍ. المهم أنَّ (كان) تأتي دائمًا في اللغة العربيةِ لا يُرادُ بها الزمَنُ، وإنما يُرادُ بها مطلَق الحَدَث، يعني أن هَذَا الأمرَ هو الواقع، فهنا قوله: {كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا} من المعلومِ أنَّ المتقينَ الآنَ ما دَخَلُوا الجنةَ ولا صاروا إليها، ولكنَّهم سَيَصِيرُونَ لذلك، فاحتاج المُفَسِّر أن يُقَدِّر (في عِلمه) إذ كانت في علمِ اللَّهِ، ولكنَّنا نقول: لا حاجة لهذا التقديرِ؛ لِأَنَّ (كان) مسلوبة الدلالة على الزمنِ.
وقوله: {جَزَاءً وَمَصِيرًا} يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [ثوابًا]، والَّذِي جعلَ هَذَا الثوابَ لهم هو اللَّه عَزَّ وَجَلَّ. ثم قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَمَصِيرًا} مَرْجِعًا]، متى تكون مصيرًا؟ تكون مصيرًا مِن حين يموتون، قال عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} [النحل: ٣٢]، وليسَ المراد أنهم يدخلون الجنَّة الَّتِي في السماء فور موتهم، ولهذا يُفتَح له باب إلى الجنَّةِ ويُفرَش له فِراش من الجنَّة، ويُلبس بلِباسٍ من الجنة، فالمتقونَ من حينِ يموتونَ يدخلون الجنةَ، كما أنَّ أهلَ الجحِيم من حين يموتون يذوقون عذابَ الجحيمِ.

الصفحة 74