كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

وأنا قد سمِعت البارحةَ وَاحِدًا يَقْرَأُ في كُتُبِ المواعظ، وفي كتب المواعظ يأتون بالمَوْتِ والدُّود مثل أكله الدود والصَّديد وهَذِهِ الأشياء، في الحقيقة إِنَّمَا تكون على الجسم فقط، والنَّاس إذا شعروا بهذا الشَيْء لا يفرحون بالمَوْت، بل ينفرون منه كثيرًا، فالَّذِي يَنْبَغِي أن يُوعَظ الإنْسَان بما يَكُون على رُوحه، فيقال مثلًا: إِنَّهُ إذا مات وهو ليس من أهل التقوى يَكُون له من العذاب كذا وكذا إلى آخِره، وإذا كان من أهل التقوى يَكُون في نعيمٍ، ومن أهل الجنَّةِ، لأجلِ أنَّ المؤمنَ يَفرَح، أمَّا أننا نَذهَب ونُوَجِّه النَّاسَ إلى التخويفِ مِنَ الأَمْرِ الحِسِّي الماديّ فقطْ فهذا في الحقيقةِ مما يُسِيءُ إلى النَّاسِ، فعندما يسمع الإنْسَان هَذَا الشَيْءَ هل يَكُون مطمئنًّا للموت؟ لا، أبدًا، يَنْفِرُ منه، لكنْ عندما يَسمَع أَنَّهُ إذا كان مؤمنًا دخلَ الجنَّةَ من حين ما يموت، تجده لا أقول: يفرح بالمَوْت، لَكِنَّهُ يَستبشِر بهذا الوعدِ الَّذِي يَكُونُ له، فهذا هو الَّذِي يَنبغي أن يُنَشَّأُ النَّاسُ عليه، ما يَنبغي أَنَّهُمْ يُذْكَرُ لهم من الأمور المادية فقطْ، ولذلك لو تأملتَ القُرْآنَ كلَّه لَوَجَدْتَ أنَّ هَذِهِ الأمور المادِّيَّة ليس لها ذِكْرٌ في القُرْآنِ، إِنَّمَا يُذْكَر في القُرْآنِ ما يَكُون على الرُّوحِ مِنَ النَّعيمِ أو العذاب، حتى يَسْتَبْشِرَ الإنْسَانُ ويَفْرَح ويعمل لهذا النعيم ويخاف ويَرْهَب ويَهْرَب مِن هَذَا الجَحيم.
هَذِهِ المسألة أَحْبَبْنَا أنْ نُنَبِّه عليها لِأَنَّهَا توجد كثيرًا في كتب الوَعظ، فمثلما يوجد في كتب الوعظ أشياء كثيرة تُرَغِّب فيما نهى عنه الشرع، فإنها ترغِّب في الأمور الَّتِي نهى عنها الشرعُ، مثلما يذكرون عن بعض العُبَّادِ الَّذِينَ يُعذَرون بجهلهم أَنَّهُمْ كانوا يقومون الليل كله في جميع أعمارهم، وقالوا: إن فلانًا بقِي أربعين سنةً يصلي الفجر بوضوء العشاء، قصدهم بهذا الترغيب، هَذَا ضد ما أمر به الرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فيَكُون هَذَا من المحادَّة للَّه ورسوله، فهم يأتون بأمورٍ منكَرة لا يعرفونها، وأنا أبيِّن ذلك لِأَنَّ طلَّاب العلمِ يَسمعون مثل ما أسمع، فإذا حصل أنَّ قارئًا مثلًا من الأئمَّة

الصفحة 75