كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

وحينَئذٍ هو الَّذِي يَحسُن أن يُقدَّر دونَ الِاسمِ، لِأَنَّ عَمَلَ الاسمِ فرعٌ، ليسَ أصلًا، فاسم الفاعِلِ مثلًا يَعْمَلُ عَمَلَ فِعله لِأَنَّهُ مُشَبَّهٌ به.
وقدَّروه مؤخَّرًا، يعني قالوا: يَنبغي أن تقولَ: "باسمِ اللَّهِ أَقرَأُ"، لا "أقرَأُ باسمِ اللَّهِ"، والسَبَبُ:
أولًا: التبرُّك بالبداءةِ بـ (باسمِ اللَّهِ).
ثانيًا: إفادةُ الحصْرِ، لِأَنَّ تقديمَ المعمولِ يَدُلُّ على الحَصْرِ.
وقدَّروه خاصًّا أيضًا، يعني لا تقول مثلًا عندما تُرِيد أن تتوضأ: (باسمِ اللَّهِ أَبْتَدِئُ)، وعندما تُرِيد أنْ تقرأَ (باسمِ اللَّهِ أَبْتَدِئُ)، لِأَنَّهُ أدلُّ على المقصود.
إذَن الجارُّ والمجرورُ متعلِّق بمحذوفٍ، يَكُون هَذَا المحذوف فِعلًا متأخِّرًا خاصًّا، والبَسْمَلَةُ كثيرًا ما تقع؛ فعندما تُرِيد أن تتوضأَ تقول: (بِاسمِ اللَّه) التقدير (بِاسمِ اللَّهِ أَتَوَضَّاُ)، وهذا أحسنُ من أن تقدِّر (وُضُوئي بِاسْمِ اللَّهِ) مثلًا، وأحسن من أن تقدِّر (بِاسْمِ اللَّهِ أَبْتَدِئُ) فتقدِّر الفعل الخاصَّ المتأخِّر.
أمَّا (اللَّه) فَهُوَ عَلَمٌ على الذَّات المقدَّسة، ذات اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويَخْتَصُّ به، وأصله (الإِلَه)، لكِن لكثرة الاستعمالِ حَذَفوا الهمزةَ، مثلَما حذفوا الهمزة في (النَّاس)، وأصلها (الأُناس)، إذَن (إِلَه) فِعَالٌ بمعنى مفعولٍ، أي مَأْلُوه، ومعنى مألوه أي معبود، فهَذِهِ اللَّفظة إذَن مُشْتَقَّة وأصلها الإله، والأُلُوهِيَّة هي العِبَادَة.
وقوله: (الرَّحْمَنِ) من الأَسْماء المُخْتَصَّة باللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو صفة مُشَبَّهة، وإنما قدَّرناه صفةً مشبهةً لِأَنَّهُ على وزنها، مثل (فَعْلَان) على وزن (غَضْبَان)، ثُمَّ إن الصِّفة المشبَّهة تفيد الثُّبُوت والاستمرار، بخلاف اسْم الفاعل، وإنما جاءت (الرَّحمن)

الصفحة 8