كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

أو سكت عنها القُرْآن، إلَّا إذا دل القُرْآن على نفيِها؛ فَإِنَّهُ لا يجوز لنا أن نُصَدِّقَها، وكل ما يحدث من هَذِهِ الاختراعات وهَذِهِ الصناعات فَإِنَّهُ داخلٌ في قوله تَعَالَى: {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} بعد أن قال: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} قال: {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٨]، هَذِهِ الآية يدخل فيها كل ما حَدَثَ وكل ما يحدُث من مثل هَذِهِ الأمور، وَأَمَّا أن نحرِّف القُرْآن إلى ما يوافق هَذَا الواقع فهذا حرامٌ علينا، ولا يجوزُ، وأمَّا قوله: {إِلَّا بِسُلْطَانٍ} فليس المراد به العلم، المراد به السُّلطة الَّتِي تتمكَّنون بها من النفوذ، لِأَنَّ السلطان في كل موضع بحسَبه، وأصله السلطة الَّتِي يتمكَّن بها الإنْسَان من الوصول إلى ما يريد، فمثلًا إذا كانت في دعوى مدَّعٍ نقول: لا سلطان لك بهذا، يعني لا حُجَّة لك، كما قال اللَّه تَعَالَى: {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} [يونس: ٦٨]، يعني ما عندكم من حُجة؛ لِأَنَّ الحُجَّة السلطة يتمكن بها المدَّعي من إثباتِ دَعْوَاهُ، ثم إن الآية {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، وهَؤُلَاءِ لم ينفُذوا من أقطار السَّموات، حتى لو قُلْنا: إنهم نَفَذُوا من أقطار الأرض وخرجوا عن محيط الأرضِ، فإنهم لا يستطيعونَ أن ينفُذوا من أقطارِ السَّموات، ثم إن الآيةَ ظاهرةٌ في التحدِّي {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ}، والتحدي بما يُمكِن غير صحيحٍ، لِأنَّهُ يُبْطِل التحديَ، ثم إن قوله: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ} [الرَّحمن: ٣٥]، يكذِّبه الواقع، يعني يكذب دَعْوَى هَؤُلَاءِ الواقع؛ لأَنَّهُمْ صعِدوا إلى الفضاءِ ووَصَلُوا إلى ما وصلوا إليه ولم يرسَل عليهم شُوَاظٌ من نار ولا نُحاس.
فالمهمُّ أنا قصدي بذلك أن بعض النَّاس من أهل العلم بالطبيعة يحاولون أن يُوجِدوا لكل حادثٍ دليلًا خاصًّا من القُرْآن، وهذا لا يجوز؛ لِأنَّهُ يَصرِف القُرْآنَ

الصفحة 81