كتاب تفسير العثيمين: الفرقان

القُرْآن تبيان لكل شَيْء، أين يوجد في القُرْآن كيف يُصنع هَذَا الطعام؟ فقال: هَذَا موجود في القُرْآن. فدعا الطباخ وقال: كيف تصنع هَذَا الطعام؟ قال: أصنعه بكذا وكذا، فقال: هكذا الطَّريق في القُرْآن، فإن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣]، وكل قومٍ ذِكْرُهم خاصٌّ بهم، فأنا سألتُ هَذَا الرجلَ لأني لا أعلم، فالقُرْآنُ قد يَدُلُّنا على الشَيْءِ مباشرةً أو بالوسيلةِ والطَّريقةِ، فكل شَيْءٍ لا تَعلمه فالطَّريق إلى الوصول إليه أن تسألَ أهلَ ذِكْره، فالمرادُ أهلُ العلمِ، لكِن هل المراد أهل العلم الشرعيّ أو كل علم بِحَسَبه؟ لنفرِضْ أننا خصصناه بالعلم الشرعيِّ أفلا يُقاس غيرُه عليه؟ فهي إما أن تدل على العمومِ وتكون شاملةً لمثل هَذِهِ القضية بدلالة التضمُّن، وإما بدلالة الشمول المعنويّ، لا اللفظيِّ، وهو القياس، يقول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} [النحل: ٤٣ - ٤٤]، فهذا يدل عَلَى أَنَّ المرادَ العلمُ الشرعيُّ، والآية الثَّانية: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: ٧]، وهو عامٌّ، لم يَقُلْ: بالبيِّنات والزُّبُر. ومثلما قلت: إن كانتْ شاملة لكلِّ شَيْءٍ وأن أهل كل ذِكر بِحَسَبه فهي شاملةٌ، وإلا فهي شاملةٌ شمولًا معنويًّا، وهو القياس، فنقول: إذا كان اللَّه أحالَنا على أهل الذكر الشرعيّ لمعرفة الحُكْم الشرعيِّ، فكذلك نحن نتحوَّل إلى أهلِ العلمِ غيرِ الشرعيِّ لمعرفةِ هَذَا العلمِ.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: قوله تَعَالَى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: ٩]، هَذِهِ الآية ذُكرت على العمومِ، وأوَّلها يبيِّن أن المراد العلمُ الشرعيُّ؟
لكِن مثلما ذكرنا الآن أن العموم قدْ يَكُون شمولًا لفظيًّا وقد يَكُون شمولًا، معنويًّا، فهم لا يَستوون، لكِن الَّذِي يُثنى عليه أهل العلم الشرعيّ، والشمول اللفظيُّ

الصفحة 84