كتاب تفسير العثيمين: فاطر

الجواب: الفائِدَة من ذلك: الحَثُّ على صِلَةِ الرَّحِم، كما أنَّنا نقول: (من أَحَبَّ أنْ يَدخُلَ الجَنَّة فَلْيَعْمَلْ عملًا صَالِحًا) فلا يقول قائل: إذا كانت الجَنَّة مَكْتوبةً فكيف يَدْخُلُها ولم يَعْمَل؟ كيف إذا عَمِلَ كُتِبَتْ له الجنَّة؟
ونقول: هي مَكْتوبَةٌ من قَبْلِ أن يَعْمَل، لكِنْ قد كُتِبَتْ له الجنَّة وكُتِبَ أن يَعْمَلَ لها عَمَلَها، وعلى هذا كُلُّ ما حصل من تَقْديراتِ الله عَزَّ وَجَلَّ؛ فإنَّ هذا لا يَخْتَصُّ بالعُمُر، الإشكالُ وارِدٌ على الجميع، ولكنَّ الجواب عنه بسيط: وهو أن يقال: إن هذا مكتوبٌ نَتيجةً لهذا السَّبَب، وهو معلومٌ عند الله، أمَّا عندنا فليس بِمَعلومٍ.
إِذَن: يكون أَحْسَنُ ما يشار إليه في الآيَة أنَّ المُرَادَ {مِنْ عُمُرِهِ} أَيُّ مُعَمَّرٍ، وأنَّ الإِنْسَان قد يُزادُ في عمره لسببٍ من الأَسْبَاب، وقد يُنْقَص من عمره لسببٍ آخر.
قَوْله تعالى: {إِلَّا فِي كِتَابٍ}: {كِتَابٍ} فِعالٍ بمَعْنى مفعولٍ؛ فِفِراشٍ بمَعْنى مفروشٍ، وغِراسٍ بمَعْنى مَغْروسٍ، وبناءٍ بِمَعْنى مَبْنِيٍّ، فكِتَاب بمَعْنى مكتوب، فما هو هذا الكِتَاب؟ قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [هو اللَّوْح المَحْفوظ] وهذا في السَّماءِ، وهو محفوظٌ من عِدَّةِ أَوْجُهٍ:
محفوظ أن ينالَهُ أَحَدٌ؛ لأنَّه خاصٌّ بتَقْديرِ الله عَزَّ وَجَلَّ.
محفوظٌ من أن يُغَيَّر؛ أي: يُبَدَّلَ؛ ولهذا ما كُتِبَ في اللَّوْح المَحْفوظِ فإنَّه سيكون؛ كما قال الله تعالى للقَلَمِ: "اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ" (¬١).
---------------
(¬١) أخرجه أحمد (٥/ ٣١٧)، وأبو داود: كتاب السنة، باب في القدر، رقم (٤٧٠٠)، والترمذي: كتاب القدر، رقم (٢١٥٥)، من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -.

الصفحة 100