كتاب تفسير العثيمين: فاطر

[منهما] يعني من المَجْموع لا من الجَميعِ، ولكنَّ الصَّحِيح أنَّه يخرج من الجميعِ؛ لأنَّ هذا هو ظاهِرُ القُرْآن، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى أعلم بما خَلَقَ، فإنَّه يَخْرُج منهما، وقد ثبت الآن أنَّ اللُّؤْلؤ والمَرْجان يخرج من هذا ومن هذا؛ ولهذا قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [وقيل منهما].
وَقَوْله تعالى: {حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} وذَكَرَ اللُّبْس؛ لأنَّه غايةُ ما يُنْتَفَعُ به من هذه الحِلْيَة، وإلا فَمِنَ المعلوم أنَّ من يَسْتَخْرِج هذه الحِلْيَة يتَّخِذها تجارَةً، وتجارةُ اللُّؤلؤ والمَرْجان فيما سبق وإلى الآن لا تزالُ تجارةً قَوِيَّة، لأنَّ الذي يشتريها من التجار يريد بها اللُّبْس، فإن أرادوا بها التَّكَسُّب يَلْبَسها كسْوَة للبَدَنِ في باطِنِه وكسوة للبدن في ظاهِرِه، كسوة البدن في باطنه أَكْلُ اللَّحم، فأكل اللَّحْم كسوة للبَدَنِ في باطِنِه؛ ولهذا قال الله تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} [طه: ١١٨]، ولم يَقُلْ: (ولا تبلى) بل قال: {وَلَا تَعْرَى} لأنَّ الجوع عُرْيُ الباطِنِ والعُرْيُ عُرْيُ الظَّاهِر؛ فمن ثم نقول: ذكَرَ اللهُ لِباسَيْنِ: اللِّباسَ الباطِنَ بأَكْلِ اللَّحْم، واللِّباسَ الظَّاهِرَ بهذه الحِلْيَة، فمن كُلٍّ تأكلون وتَسْتَخْرِجون.
قَوْله رَحِمَهُ اللهُ: [{وَتَرَى} تُبْصِرُ {الْفُلْكَ} السُّفنَ {فِيهِ} في كُلٍّ منهما {مَوَاخِرَ}].
قَوْله: [{وَتَرَى} أي: تُبْصِرُ] الخِطابُ لِكُلِّ من يَتَوَجَّه إليه الخِطابُ، والرُّؤْيَة هنا بَصَرِيَّة، فإنَّ من يُشاهِد البَواخِرَ في البحار يراها تَمْخُرُ الماء؛ أي: تَشُقُّه.
وَقَوْله: [{فِيهِ} في كُلٍّ منهما] أجاب المُفَسِّر رَحِمَهُ الله عن إشكالٍ واضح؛ لأنَّه يقول: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ} ثم قال: {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ} ومُقْتَضَى السِّيَاقِ أن يكون التَّعْبيرُ هكذا (وترى الفُلْكَ فيهما) ولكنَّ الضَّميرَ هنا لا يعود على البَحْرَينِ، وإنَّما

الصفحة 105