كتاب تفسير العثيمين: فاطر

يعود على (كُلٍّ) و (كُلٌّ) لَفْظٌ مُفْرَدٌ، فعاد الضَّميرُ في هذه الآيَة على (كُلٍّ) باعتبار اللَّفْظ؛ لأنَّه مُفْرَد، ومن هنا قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [في كلٍّ منهما] فزال الإِشْكالُ.
وَقَوْله تعالى: {مَوَاخِرَ} قال: [تَمْخُر الماء؛ أي: تَشُقه بَجَرْيِها فيه مُقْبِلَةً ومُدْبِرَة بريحٍ واحِدَةٍ] وهذا من نِعْمَةِ الله عَزَّ وَجَلَّ؛ أنْ سَخَّرَ الفُلْكَ لنا تجري على هذا الماء، وتَمْخُر عُبابَ الماءِ، حاملةً أَنْواعَ الأَرْزاقِ، وحامِلَةً البَشَر الكثيرَ؛ ولذلك الفُلْكُ الآن تُعْتَبَرُ بلدًا كامِلًا، وإذا دَخَلْتَها رأيْتَها كالبَلَدِ، وهذا من نِعْمَةِ الله سُبْحَانَهُ وَتَعالَى، فذَكَرَ هنا ثلاثَ فَوائِدَ:
الأولى: أكْلُ اللَّحْم، والثانية: الحِلْيَة، والثالثة: البواخِر التي تَعْبُر أو تَشُقُّ الماء من ناحيةٍ إلى أخرى لتَنْقُلَ الأَرْزاقَ والآدَمِيِّينَ.
وتأمَّلْ قَوْله تعالى: {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً} و {تَأْكُلُونَ} و {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} لأنَّ السَّمَكَ أخْذُه هَيِّنٌ، لا يحتاج إلى كُلْفَة، فذكر الأَكْل مباشَرَةً، أمَّا اللُّؤْلُؤُ والمَرْجان فيَحتاجُ إلى كُلْفَةٍ وإلى تَعَبٍ؛ لأنَّه يَحتاجُ إلى غَوْصٍ وآلات وطُولِ نَفَس أو حَمْل أشياءَ تُعينُ على التَّنَفُّس؛ ولهذا قال: {وَتَسْتَخْرِجُونَ} أي تَطْلبون الحِلْيَة، وأمَّا الفُلْكُ فقال: {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} لأنَّ مُشاهَدَتَها بالعَيْنِ وهي تَشُقُّ الماء يرى الإِنْسَانُ فيها من أَعْظَمِ آياتِ الله عَزَّ وَجَلَّ.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ الله: [{لِتَبْتَغُوا} تَطْلُبوا {مِنْ فَضْلِهِ} تعالى بالتِّجارةِ {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} اللهَ على ذلك].
يعني: سخَّر الفُلْك وجَعَلَها مواخِرَ في هذا البحر لأَمْرَيْنِ:
أولًا: لِتَبْتَغوا من فضله؛ أي: تَطْلُبوا الرِّزْقَ بما تَحْمِلُه هذه البواخِرُ؛ ولذلك الآن ما الذي يأتي إلينا مثلًا بالأَرْزاقِ من أمريكا ومِنَ اليابانِ ومن المناطِقِ الأخرى

الصفحة 106