كتاب تفسير العثيمين: فاطر

اللَّيْلِ جزءًا من النَّهَارِ معناه زادَ النَّهَار؛ يعني: كأنَّه يقول مثلًا: (دَخَلَ اللَّيْلُ في النَّهَار فصار نَهارًا) وحيئذٍ يزيدُ النَّهَارُ، والعَكْسُ بالعَكْسِ، لكن الظَّاهِر من الآيَة الكَريمَةِ أنَّه يَدْخُل اللَّيْل في النَّهَار فيكون جزءٌ من النَّهَارِ ليلًا، الآن لو قُلْتَ: (أَدْخَلْتُ هذه السَّاقِيَة في هذه الأَرْضِ) الجُزْءُ الذي دخل من السَّاقِيَة جَعَلَ الأَرْضَ ساقِيةً.
إذن: (أدخلتُ اللَّيْلَ في النَّهَارِ) جَعَلْتُ جزءًا من النَّهَارِ ليلًا، وحينئذٍ يكون اللَّيْلُ هو الذي يطول.
إيلاجُ اللَّيْلِ في النَّهَارِ وإيلاجُ النَّهَارِ في اللَّيْلِ لا شَكَّ أنَّه دالٌّ على كمال قُدْرَةِ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأنَّ الخَلْقَ لو اجْتَمَعوا كُلُّهم على أن يُولجِوا جُزءًا يسيرًا من اللَّيْل في النَّهَارِ أو بالعَكْسِ ما اسْتَطاعوا أبدًا، ثم هذا الإيلاجُ أيضًا إيلاجٌ بِنِظامٍ؛ أي: إنَّه يأتي شَيْئًا فَشَيْئًا حتى تَتَكَيَّفَ طِباعُ البَشَرِ لهذا الإيلاجِ.
ما ظَنُّكُم لو أنَّ اللَّيْلَ جاء بِنِهايَتِهِ دَفْعَةً واحِدَةً؛ يعني مثلًا: اليوم صارَ اللَّيْلُ ثمانيَ ساعاتٍ وخَمْسًا وثلاثينَ دقيقةً، في اللَّيْلةِ القادِمَةِ صار اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ساعَةً وخَمْسَ دقائِقَ، ماذا تكون حالُ النَّاس؟
الجواب: تَضْطَرِبُ، لَكِنَّه عَزَّ وَجَلَّ يُولِجُه شيئًا فشيئًا، هذا من جهة الإضْطِرابِ، ومن جهةٍ أخرى لو أَوْلَجَه هكذا دَفْعَةً، ومعلومٌ أنَّ سَبَبَ طُولِ النَّهَارِ قُرْبُ الشَّمْسِ من مُسامَكة الرُّؤوسِ، وإذا قارَبَتِ الشَّمْسُ من مُسامَكة الرُّؤوسِ فلا بُدَّ أن تكون شديدةَ الحَرارةِ؛ مَعْنى ذلك أن يكون هذا اليَوْمُ هذا في عِزِّ الشِّتاء، واليوم الذي يَلِيهِ في عِزِّ الصَّيْفِ، وهذا ضَرَرٌ عَظيمٌ، لَكِنَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُولِجُه شيئًا فشيئًا، وهذا من تمَامِ القُدْرةِ والحِكْمَةِ والرَّحْمَة.
أيضًا إيلاجُ اللَّيْلِ في النَّهَارِ وبالعَكْسِ له تأثيرٌ عظيمٌ على الجَوِّ؛ لأن الجَوَّ يَنْقَلِبُ

الصفحة 113