كتاب تفسير العثيمين: فاطر

وبما يَحْصُل منه من العِلْم بالحِسابِ وعَدَدِ السنينَ، وما إلى ذلك.
وإن شئتم مزيدًا من هذا فراجِعوا كِتَاب (مِفتاح دارِ السَّعادَةِ) (¬١) لابن القَيِّم رَحِمَهُ الله؛ حيث ذكر من فوائِدِ الشَّمْسِ والقَمَرِ أَشْياءَ عَظيمَةً كبيرةً، وذكر غَيْرُهُ أيضًا ذلك، لكنْ يَجِدُ الإِنْسَانُ الفَرْقَ بين بَحْثِ ابْنِ القَيِّم مثلًا وبَحْثِ عُلَماءِ الطَّبيعَة؛ لأن عُلَماءَ الطَّبيعَةِ يَنْظُرونَ إلى هذه الأشياء من زاوِيَة مُظْلِمَة حالِكَة مادِّيَّةٍ مَحْضَةٍ لا يتربَّى فيها الإِنْسَان تربيةً دِينيَّة ولا يَعْرِفُ بها قُدْرَةَ الله ونِعْمَتَه، لكن إذا تكَلَّمَ ابْنُ القَيِّم رَحِمَهُ اللهُ في ذلك يَعْقِل أنَّ هذا دائمًا برَحْمَةِ الله وقُدْرَتِه وحِكْمَتِه، فيجد الإِنْسَانُ مع عِلْمِه بهذا الفَنِّ والعُلُوم، يَجِدُ مع ذلك خشيةً لله عَزَّ وَجَلَّ، وتَعْظيمًا له، ومَحَبَّةً له.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ} منهما {يَجْرِي} في فَلَكِه {لِأَجَلٍ مُسَمًّى} يومِ القيامَةِ] كلٌّ؛ أي: كُلٌّ من الشَّمْسِ والقَمَرِ يجري؛ يعني: يسير في فَلَكِه لأَجَلٍ مسمًّى، الفَلَكُ شَبَّهَه ابْنُ عَبَّاس - رضي الله عنهما -: بِفَلَكَةِ المِغْزَل (¬٢)، وفَلَكَةُ المِغْزَل عِبارَة عن قُرصٍ في أعلاه، وفي أَسْفَلِه عودٌ يَنْطوي عليه الحَبْل الذي يَغْزَل، هذه تدورُ؛ لأنَّ المرأة التي تَغْزِل تَبْرمه هكذا حتى يدورَ ويَحْكُم الحبل، فالفَلَك هذا؛ للشَّمْس فلكٌ تدور به، وللقَمَرِ فَلَكٌ يدور به.
وفي إسناد الجَرَيانِ إلى كلٍّ منهما دليلٌ على أنَّهما يَسيرانِ بِذاتِهِما، ويدوران على الأَرْضِ، وهذا شَيْءٌ مُشاهَد أنَّ الشَّمْسَ تدور على الأَرْض وكذلك القَمَرُ، وما ادَّعاه عُلَماءُ الهَيْئَة من أنَّ الأَرْضَ هي التي تدور، والشَّمْسُ لا تدورُ نحو الأَرْض فإنَّنا نُكَذِّبه حتى يقومَ لنا دليلٌ حِسِّيٌّ يكون لنا حُجَّةً أمام الله عَزَّ وَجَلَّ في الخُروجِ عن ظاهِرِ كَلَامه.
---------------
(¬١) مفتاح دار السعادة (١/ ٢٠٧ - ٢١١).
(¬٢) أخرجه الطبري في تفسيره (١٩/ ٤٤٠ - ٤٤١)، وانظر: تفسير ابن كثير (٦/ ٥١٥).

الصفحة 115