كتاب تفسير العثيمين: فاطر

وإلَّا فالواجب علينا نحو هذه الأُمُور ألَّا نَخْرُجَ عن ظاهِرِ كَلَام الله؛ لأنَّ الله تعالى هو الخالِقُ، والخالِقُ أَعْلَمُ بما خلق من غَيْرِهِ، وهذا مسلَّم، ولأنَّ كَلَام الله عَزَّ وَجَلَّ أَوْضَحُ الكَلَامِ وأَبْيَنُه، فلا يُمْكِن أن يكون فيه شَيْءٌ من التَّعْقيدِ لا اللَّفْظِيِّ ولا المَعْنَوِيِّ، فهو واضحٌ في معناه وظاهِرٌ؛ ولأنَّ كَلَام الله عَزَّ وَجَلَّ أَصْدَقُ الكَلَام، فلا يُمْكِنُ أن يُخْبِرَنا الله عَزَّ وَجَلَّ بأمرٍ لم يَكُن، أو بأمرٍ يكونُ الواقِعُ على خلافه؛ ولأنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ أَحَبُّ أَحَدٍ يكونُ البيانُ إليه؛ يعني أَنَّه يُحِبُّ البيانَ لعباده أكْثَرَ من أي أَحَد، واقرأ قَوْله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: ١٧٦]، وما أَشْبَهَها من الآيات الدالَّةِ على أنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يريدُ أن يُبَيِّن لعِبادِهِ ما يَهْتَدون به، فإذا كان سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو أَحَبُّ من تَكَلَّم بالبيان، أو هو أَحَبُّ مَن يكون البيانُ إليه أَحَبَّ، وهو الله عَزَّ وَجَلَّ، فإنَّ الله تعالى لا يُمْكِن أن يقول في كَلَامِهِ ما ليس فيه بيانٌ لنا.
إذن: فنحن نُكَذِّبُهم ونقول: كَذَبْتُم أن يكون تعاقُبُ اللَّيْلِ والنَّهَار من أجل دَوَرانِ الأَرْضِ، بل تَعَاقُب اللَّيْل والنَّهَار من أجل دَوَرانِ الشَّمْسِ على الأَرْض، ولا غَرَابَةَ بذلك، هم يقولون: كيف أنَّ الكَبيرَ يَدورُ على الصَّغيرِ، نقول: ليس هناك مانِعٌ، نحن معكم أنَّ الشَّمْسَ أَكْبَرُ من الأَرْض، لكن ما المانِعُ من أن يكون الجِرْمُ الكَبيرُ هو الذي يدورُ على الصغير؟ !
ونحن إذا نَظَرْنا إلى القُرْآنِ وَجَدْنا أنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُضيفُ هذه الحَرَكَة إلى الشَّمْسِ نَفْسِها، وكذلك إذا نَظَرْنا إلى السُّنَّة، ففي القُرْآن يقول الله تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف: ١٧]، وفي القُرْآن يقول الله تعالى: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: ٣٢] أي: الشَّمْسُ، وفي القُرْآن يقول: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ

الصفحة 116