كتاب تفسير العثيمين: فاطر

والحاصِلُ: أنَّه يَجِبُ علينا وجوبًا أن نأَخُذَ بظاهِر القُرْآن وأنَّ الشَّمْسَ هي التي تدورُ على الأَرْض وأنَّه بِدَوَرانِها يَحْصُل اختلافُ اللَّيْل والنَّهَارِ، هذا الواجِبُ، ولا يجوز أن نَحيدَ عن هذا أبدًا إلا إذا قام الدَّليلُ الحِسِّيُّ على خلاف ذلك؛ فإنَّه حينئذٍ يتَعَيَّنُ التَّأويلُ وصَرْفُ الكَلَامِ عن ظاهِره؛ لأنَّنا نَعْلَمُ عِلْمَ اليقينِ أنَّ القُرْآن لا يُخالِفُ الواقِع، أمَّا شَيْءٌ يقولونه بأوهامِهِم ويُقَدِّرونَه، فإننا لا نُوافِقُهم على ذلك، ولا يَسَعُ المُؤْمِنَ أن يَحيدَ عن ظاهِرِ كَلَام الله لمُجَرَّدِ قَوْلهم أَبَدًا.
أمَّا مَسْأَلةُ الأَرْضِ هل تدور أو لا تدور؟
فنحن نقول: لا نُصَدِّقُ ولا نُكَذِّبُ؛ فيُمْكِن أن يكون لها دَوْرَة، ومع ذلك للشَّمْس دَوْرَة، هم يقولون: إذا أَقْرَرْتُم بِدَوَرانِ الأَرْضِ لَزِمَكُم أن تقولوا: إنَّ الشَّمْسَ ثابِتَةٌ، فنقول ليس ذلك بلازِمٍ، يُمْكِن أن يكونَ للشَّمْسِ دَوْرَةٌ، وللأَرْض دَوْرَةٌ أخرى، ولا مانِعَ من ذلك، ولكن مع هذا نقول: إنَّ الكَلَام في دَوَرانِ الأَرْضِ من فُضُولِ العِلْمِ الذي لا يَنْبَغي للإِنْسَان أن يُضَيِّعَ وَقْتَه به إلا رَجُلًا يَحتاجُ إلى معرفة ذلك؛ كما يُذْكَر أنَّهم يَحْتاجون إليه في الصَّواريخِ المُوَجَّهَة وما أشبه ذلك مِمَّا هو مَعْروفٌ عندَ أَهْلِه، فحينئذٍ إذا احتاج إليه فلا حَرَجَ أن يَبْحَث فيه.
أمَّا إذا لم يَحْتَجْ إليه فنقول: هذا من ضَياعِ الوَقْتِ، وما الفائِدَةُ أن تَعْلَم أنَّها تدور؟ أو لا تدورُ، احْمَدِ الله أنْ جَعَلَها قَرَارًا سواءٌ كانت تدورُ أو لا تدور.
قَوْله تعالى: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} يُحتَمَل أن تكون لامَ العاقِبَة؛ أي: كلٌّ يَجْري حتى يَنْتَهِيَ إلى هذا الأَجَلِ، ويُحْتَمَل أن تكون اللَّام بمَعْنى (إلى) كما جاءت به في موضعٍ آخر: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى}.
وعلى كُلِّ حالٍ: فهي تدلُّ على أنَّ لهذا الجَرَيانِ غايَتَيْنِ، وهو كذلك، هذه الغايَةُ

الصفحة 118