كتاب تفسير العثيمين: فاطر

لا يَحْصُل مع عَدَمِه، وقد ضَرَبْنا مثلًا - فيما سبق - بالذينَ على خَطِّ الإسْتِواء الذين لا يزيد عندهم النَّهَار واللَّيْل، ماذا يكونُ عِنْدَهم من الأمراض والفُتُور في الأجسام وعَدِمِ النَّشَاطِ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: نِعْمَةُ الله عَزَّ وَجَلَّ في تَسْخيرِه الشَّمْسَ والقَمَر لمصَالِحِ العِبادِ؛ لِقَوْلِه تعالى: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: بَيانُ هاتينِ الآيَتَيْنِ العَظيمَتَيْنِ وهما الشَّمْسُ والقَمَرُ، واللَّيْلُ والنَّهَارُ أيضًا، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [فصلت: ٣٧]، وظُهُورُ الآياتِ فيهما واضِحٌ لمِا فيه من تمَامِ الحِكْمَة والقُدْرَة والرَّحْمَةِ.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ يَجْريان؛ أي: يسيران، ففيها ردٌّ على أربابِ الهَيْئَة الجديدَةِ الذين يدَّعون أنَّ الشَّمْسَ والقَمَر لا يَجْريانِ على الأَرْض ولا يَدورانِ عليها.
ونحن قلنا: إنَّه يَجِبُ علينا أن نتَمَسَّك بالظَّاهِرِ ما لم نَجِدْ دليلًا يَقينِيًّا يدلُّ على أنَّ هذا الظَّاهِرِ غَيْرُ مُرادٍ، وحينئذٍ لنا مَساغٌ في مخُالَفَةِ هذا الظَّاهِرِ.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَضْبوطٌ ومُحْكَمٌ ومُقَدَّر في أجَلٍ مَحدودٍ لا يزيد عليه ولا يتأَخَّر؛ لِقَوْله تعالى: {لِأَجَلٍ مُسَمًّى} وهذا الأَجَل الذي تَسيرُ عليه الشَّمْسُ والقَمَرُ، يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [إنَّه يومُ القِيامَة] ويُمْكِنُ أن نقول: يَسيرانِ إلى أجَلٍ مُسَمًّى حتى في الفَلَكِ، فمثلًا الشَّمْسُ تَنْزِلُ على مدارِ الجَدْيِ في أيَّامِ الشِّتاءِ، ثم تَتَنَقَّل شيئًا فشيئًا إلى أن تَصِلَ إلى مدار السَّرَطانِ، لا يُمْكِنُ أن تَتَجاوَزَ هذا ولا هذا؛ لأنَّها تسيرُ إلى أَجَلٍ مُعَيَّنِ، فكُلُّ يَوْمٍ محدَّدٌ مكانُ الطُّلوعِ وزَمانُ الطُّلوعِ، وهذا لا شَكَّ أنَّه سَيرٌ إلى أجَلٍ مُسَمًّى.

الصفحة 128